أثارت تصريحات الفريق أول عبد الفتاح السيسى، حول موقف القوات المسلحة من العودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى، والنزول الى الشارع ردود فعل متباينة بين مختلف القوى السياسية، خاصة تلك التى كانت تعلق أملا على عودة الجيش إلى المشهد مرة أخرى فى مواجهة النظام السياسى القائم، بنظرة لا تخلو من "أنانية سياسية" قد تقود المؤسسة العسكرية فى النهاية إلى التفكك والانهيار، حيث لم يقرأ أحد تصريحات الفريق السيسى فى سياقها كما رددها، واتجهت وسائل الإعلام إلى إلقاء الضوء على بعض العبارات الصاخبة التى تشير إلى عدم نزول الجيش إلى الشارع مرة أخرى.
الفريق أول السيسى أراد أن يوجه عددا من الرسائل إلى الشعب المصرى، أهمها أن هناك محاولات للزج بالقوات المسلحة فى المشهد السياسى مرة أخرى والدفع بآليات الجيش ومعداته إلى الشوارع مرة أخرى، ووضع البلاد فى سيناريو دموى، قد يؤدى فى النهاية إلى القضاء على الأخضر واليابس، ويأكل كل ما تم بناؤه على مدار سنوات طويلة، حيث أكد أن التفاهم والتوحد والاتفاق على آليات للعمل هو المخرج الوحيد للأزمة السياسية التى تواجهها مصر فى الوقت الراهن، وتدخل القوات المسلحة فى المشهد يزيده تعقيدا علاوة على المخاطر التى ستلحق بالقوات حال تواجدها فى الشارع، والدخول فى سيناريو أقرب إلى التجربة الأفغانية والصومالية.السيسى أراد أن يحذر الشعب من خطورة عودة الجيش إلى الحياة السياسية مرة أخرى، فالمستهدف الآن ليس النظام السياسى الحاكم أو قوى المعارضة، ولكن القوات المسلحة المصرية هى التى تقع فى مرمى الاستهداف الداخلى والخارجى، حيث تسعى بعض القوى إلى تفكيكها وإضعافها تمهيدا للقضاء عليها، باعتبارها العمود الصلب الباقى من الدولة المصرية، وبسقوطه تسقط الدولة، وينهار أقوى جيش احترافى عربى فى منطقة الشرق الأوسط بأكمله.
السيسى أردا أن يحذر من خطورة وجود "فرد مسلح" فى الشارع وسط الأجواء المدنية والحياة الطبيعية، وما يشكله ذلك من خطورة على سلامة المجتمع حال حدوث أى مناوشات أو اشتباكات، أو أعمال شغب مع عنصر مقاتل، لا يوجه سلاحه إلا ناحية العدو، وما قد يترتب عليها من ضياع الثقة بين الشعب والجيش، وانكسار هيبة المؤسسة العسكرية، وتقديرها لدى كل مواطن.
القائد العام للقوات المسلحة أكد فى تصريحاته أن منصبه فى غاية الخطورة والحساسية، والتاريخ لن يسامحه أبدا إذا كسر جيشه وأدخله فى صراعات سياسية، تستهدف النيل منه وإسقاطه، فى مواجهة مع الشعب، حيث أوضح أن هذا لن يكون أبدا، والقوات المسلحة تعى ما يدور حولا من أحداث، وقتها لا تمكن فقط فى سلاحهاو ومعداتها، ولكن فى عقول رجالها وتفكيرهم السليم الممنهج القائم على أسس علمية مدروسة.
رسائل السيسى فى تفتيش حرب الفرقة التاسعة المدرعة لم تخل من تلميحات حول ما ذكره الشيخ حازم أبو إسماعيل بأنه ممثل عاطفى، حيث قال: "البعض اعتبر كلمتى خلال حفل القوات المسلحة فى تحرير سيناء نوعا من التذلل للشعب، وأنا أقول أنا أتذلل للشعب المصرى، فالتجبر ليس على الشعب، ولكن فق على المجرمين والبلطجية، ولو أنا انا عاطفى فهذه ليست مشكلة".
حضور الشخصيات العامة والمثقفين والفنانين تفتيش حرب الفرقة التاسعة المدرعة أثار علامات استفهام لدى الكثير، إلا أنه كان مخططا من أجل توصيل رسالة معينة لتلك الشخصيات أولا، ثم للشعب المصرى من خلالهم ثانيا، حيث قصد السيسى من عودتهم تعريفهم معنى الجيش المصرى ومدى إمكانياته وقدراته ومعداته وطمأنتهم على المستقبل فى ظل حماية القوات المسلحة لتراب الوطن، وكذلك التأكيد على أن التغيير يكون بإرادة الشعب لا الجيش، انطلاقا من أن الجيش يحمى فقط دون أن يتدخل فى السياسية أو يتصارع على السلطة، والصندوق الانتخابى هو أقرب أدوات التغيير أمام الشعب المصرى خلال المرحلة الراهنة، بدلا من الحديث دون فهم أو تقدير للأمور بأن عودة الجيش الى الشارع هى الحل.
رجاءً إضغط هنا لمشاهدة الصور
حضور المثقفون والإعلاميون لم يكن لزوم "الشو الإعلام" أو طمعا فى المزيد من الشعبية للفريق السيسى، ولكن للتأكيد على أن الجيش هو الحصن الأخير الذى لا يجب التفريط فيه بأى ثمن أو الدفع به إلى المواجهة مع الشعب، خاصة أن هناك جهات داخلية وخارجية تسعى لإسقاط القوات المسلحة المصرية، وتسعى لتنفيذ ذلك المخطط بكل الطرق الممكنة.
وزير الدفاع كان دقيقا فى عباراته وتصريحاته حول سيناء وأمن سيناء القومى، وأن العملية الأمنية التى تجرى على أرضها لم تستهدف بريئا واحدا، وليس هدفها القتل أو الملاحقة، ولكن سيناء وأهلها تحتاج من مصر الكثير فى مجالات التنمية والاستثمار، وتحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية لأهلها باعتبارهم جنودا إلى جانب قوات الجيشين الثانى والثالث للدفاع عن أرض مصر فى اتجاه الشمال الشرقى.
خلال كلمة الفريق أول السيسى فى أرض الفرقة التاسعة تم توجيه العديد من الأسئلة من جانب بعض الشخصيات العامة والفنانين، أبرزها كان حول مشروع تنمية محور قناة السويس وإنشاء منطقة صناعية ولوجستية عالمية فى تلك المنطقة، وكان رد وزير الدفاع واضحا فى تلك النقطة، حيث أكد أن كل ما أرادته القوات المسلحة من مشروع تنمية قناة السويس تم تنفيذه دون ضغوط، أو مشكلات، والجيش لن يمانع على الإطلاق فى تنمية أى مكان فى مصر، دون المساس بوحداته ومسارح عملياته.
السيسى أعلن للحضور خلال تفتيش حرب الفرقة التاسعة أن رجال الجيش المصرى سوف يتولون تأمين الانتخابات البرلمانية المقبلة انطلاقا من دورهم الوطنى، وحرصهم على دعم أبناء الشعب المصرى، ومراعاة حالة الحراك التى تمر بها البلاد بعد ثورة 25 يناير وما صحبها من اضطرابات، وهذا ليس تدخلا فى الشأن السياسى، بل دعما للاستقرار نحو التنمية ودعما لبناء مصر التى تتسع لكل المصريين بمختلف فئاتهم وتوجهاتهم.
الرسالة الأخيرة التى أراد السيسى توجيهها إلى الشعب المصرى أن مشكلات مياه النيل والخلافات مع دول المنبع لن تحل أبدا بالخيار العسكرى، ويجب أن تخضع للتفاهم والحوار الجاد فى إطار يحترم مصالح الآخرين، بعدما تم إهمال تلك القضية لسنوات طويلة، حيث إن استخدام القوة له حسابات دقيقة جدا، ولا تتم بصورة عشوائية
0 التعليقات