أصبحت التعديات الجنسية في ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة ظاهرة تبعث على الأسى، في ذلك الميدان الذي يمثل أيقونة للاحتجاجات في مصر.
ومع التغيرات التي طرأت على الساحة السياسية، هل يمكن أن يكون هناك فرق في طريقة التعامل مع السيدات في شوارع مصر؟
في محطة المترو القريبة من ميدان التحرير، خصص جزء من درجات السلم في المحطة لتأمين خروج السيدات اللاتي يتجهن إلى الميدان لحضور الاحتجاجات.
إلا أن ذلك لا يجري ترتيبه من قبل أمن المحطة أو أفراد الشرطة، بل يقوم به بعض الرجال المتطوعين ممن يقومون بتحديد طريق للسيدات يمكنهنّ من خلاله الوصول إلى الميدان دون أن يزاحمهنّ أحد من الرجال هناك.
ويعمل أولئك المتطوعون على حماية السيدات من التعرض لبعض حوادث التحرش الجنسي العابرة، إلا أنه لا زالت تقع بعض حوادث التعدي الوحشية هناك.
وأمضى حسن نصار، وهو ناشط في الثانية والعشرين من عمره، في معظم احتجاجات الأسبوع الماضي، وهو يعمل على حماية النساء في ميدان التحرير، يخرجهن حيناً من المترو، ويعمل حيناً ىخر على تفقد المنطقة.
وهناك تشابه في الوقائع التي ترويها السيدات اللاتي وقعن ضحية للتحرش وما رواه شهود العيان أيضا.
فعندما تعزل مجموعة من المتحرشين إحدى السيدات، يبلغ الشهود الأمر للمتابعين من أمثال حسن نصار، من أجل الاسراع لمساعدتها.
يقول نصار: "نسارع باقتحام الجماهير لإخراج تلك السيدات، وإرسالهن إلى إحدى السيارات لإبعادهن عن المكان."
ويضيف: "إنني أقوم بذلك لأنه أمر لا يمثل مجتمعنا. ولك أن تتخيل أن هذه أختك أو أمك، وأن عليك تقديم المساعدة لهن."
وتتكرر التعديات الجنسية خلال التظاهرات التي يشهدها ميدان التحرير، ولاسيما منذ التظاهرات العارمة التي خرجت لمناهضة للإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012. ودفع ذلك بعض النشطاء لتشكيل مجموعات تقوم على مواجهة تلك التعديات.
وكان من بين تلك المجموعات مجموعة "قوة ضد التحرش/الاعتداء الجنسي الجماعي".
ونجح المتطوعون بلمجموعة في مساعدة ما يزيد على 150 سيدة، في أعقاب بعض حوادث التعدي الجنسي التي وقعت، بما فيها ثلاث حالات اغتصاب بين الثلاثين من يونيو/حزيران والثالث من يوليو/تموز عام 2013.
وألقت مريم كيرولوس، وهي عضو في تلك المجموعة، باللوم على نظام محمد مرسي في عدم اتخاذه أية خطوات حيال تكرر تلك الهجمات. كما قالت لبي بي سي إن اللوم يوجه أيضا إلى من ذهبوا إلى ميدان التحرير ولم يقدموا أي نوع من المساعدة.
"مشكلة مع المجتمع"
وكانت الصحفية هانية مهيب واحدة من بين تسع عشرة سيدة جرى التعدي عليهن جنسيا من قبل المتسكعين في ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2013، وهو اليوم الذي شهد إحياء الذكرى الثالثة للثورة التي أطاحت بالرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك.
وتعتقد هانية أن العنف ضد المرأة زاد مع حكم الإخوان المسلمين، معتبرة أنهم ينظرون إلى السيدات على أنهن "أدوات لممارسة الجنس".إلا أنها تشعر بتفاؤل بعد إعلان الجيش بيان عزل الرئيس مرسي من منصبه، وقالت: "إذا أصبحت الأمور أفضل مع المعارضة، أعتقد أن ذلك سيكون خطوة واسعة لدعم حقوق المرأة."
إلا أن جماعة الإخوان المسلمين تقول إنها لم تكن سببا في هذا العنف الذي تواجهه المرأة.
حيث قال حمزة زوبع، المتحدث الرسمي باسم حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة: "إن هذه الثقافة لا تظهر الاحترام للمرأة، على العكس من الثقافة الإسلامية. كما أن هذه القضية لا ترتبط بالحكومة أكثر من ارتباطها بالعامل الثقافي. فهي لها علاقة بالمجتمع، كما ينبغي للمنظمات غير الحكومية أن تعمل على حماية المرأة."
ولا تقتصر طريقة التفكير تلك على أعضاء الجماعة فحسب، بل تمتد إلى معارضيها أيضا.
حيث يقول حسن نصار: "ليس للتحرش علاقة بالإخوان، فهو مشكلة سببها المجتمع وغياب للأمن."
إلا أنه وخلال الاثني عشر شهرا الأخيرة التي قضاها مرسي رئيسا للبلاد، واجهت جماعة الإخوان المسلمين انتقادا شديدا في سياسة حقوق المرأة التي تنتهجها.
ودانت الجماعة إعلانا صادرا عن الأمم المتحدة يدعو لإنهاء العنف ضد المرأة، حيث قالت إن ذلك الإعلان سيؤدي إلى إحداث "تفكك في المجتمع".
ورفضت مجموعات حقوق المرأة الدستور المعلق العمل به حاليا، والذي وضعته لجنة ضمت عددا كبيرا من أعضاء الجماعة، وكانت تلك المجموعات ترى أن الدستور لم يكن يكفل للمرأة حق المساواة مع الرجل، حيث لم يذكرها إلا في سياق العائلة.
وقالت أمنية طلعت، وهي كاتبة وناشطة حقوقية، إنها صدمت من الدستور الذي تم الانتهاء منه في ديسمبر/كانون الأول عام 2012.
وأضافت: "لقد كانت جماعة الإخوان تريد لنا أن نعود 100 عام إلى الوراء فيما يخص حقوق المرأة، لقد كان ذلك الدستور كارثيا."
وتابعت : "لا يمكنني أن أقول أنني متفائلة أو متشائمة، إلا أنني متأكدة من أنه سيكون هناك احترام لحقوق المرأة. فبدون الإخوان، سيكون القانون في صالح المرأة."
"كشف العذرية"
إلا أن هناك عوامل أخرى. فالتعديات الجنسية لا تمثل ظاهرة جديدة في المجتمع المصري، كما أن التحرش الجنسي أصبح أمرا اعتياديا.حيث قالت لمياء، وهي في الرابعة والعشرين من عمرها، وتعيش في إحدى القرى الواقعة شرق القاهرة: "تعرضت كل السيدات في مصر تقريبا لشكل من أشكال التحرش، بغض النظر عن أعمارهن."
وترى لمياء أن السياسة لن تساعد في تغيير ذلك.
وتقول: "يركز رؤساؤنا على القضايا السياسية فحسب. وحتى نصبح في وضع أفضل، فإننا بحاجة إلى التعليم ولأن نكون أناسا أفضل."
ويعتبر المجتمع المصري مجتمعا أبويا، حيث يعزو الكثيرون تباطؤ المجتمع في مواجهة العنف ضد المرأة إلى ذلك.
وكانت مارينا ألفريد، وهي في الثانية والعشرين من عمرها، معتادة على العمل في ورديات مسائية لدى أحد مراكز الاتصال.
وتقول مارينا: "كنت أعود من عملي إلى المنزل في الخامسة صباحا، مما أثار عددا من التساؤلات حولي من قبل الجيران. وقد يكون ذهب تفكير بعضهم ليعتقد أنني أعمل في الدعارة، حتى أن بعض الرجال وجهوا إلي تلك التهمة ذات يوم."
أما الآن، فعليها أن تعود إلى المنزل بحلول العاشرة مساء حتى يكون والدها راضياً.
وتضيف: "يتعامل والدي مع أخي الأصغر بطريقة أقل تشددا لكونه ولدا، على الرغم من أنه يصغرني سنا."
وتتابعقائلة: "ما يقوم به والدي يكون إلى حد ما بدافع قلقه علي، إلا أن الأمر أيضا يتعلق بفرض سلطته علي."
قد يحظر المجتمع على المرأة أن تتحدث عن الاعتداء الجنسي، كما أن العديد من الرجال يلقون باللوم على النساء أنفسهن، وذلك تبعا لما يلبسنه أو لتصادف وجودهن في مكان معين في وقت معين. وقد يوجه الاتهام أيضا إلى المرأة التي تتحدث عن ذلك بالكذب.
وخلال فترة الثمانية عشر شهرا التي كانت فيها مصر تحت حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهي الفترة ما بين الإطاحة بمبارك وانتخاب مرسي رئيسا للبلاد، قامت السلطات بإجراء ما عرف باسم "كشوف العذرية" الظاهرية، وذلك لمنع النساء من أن يكذبن بشأن تعرضهن للاغتصاب.
وتعرضت ما لا تقل عن ست سيدات من المشاركات في الاعتصام بميدان التحرير في مارس/آذار عام 2011 لهذه الكشوف. وكان الجيش قد أكد للباحثين في منظمة مراقبة حقوق الإنسان أن كل المحتجزات يخضعن لتلك الكشوف حتى لا يقمن بعد ذلك بإلقاء التهمة على الحراس لاغتصابهن داخل السجن.
وكانت سميرة إبراهيم من بين تلك السيدات اللاتي تعرضن لتلك الكشوف، ورفعت على إثر ذلك دعوى ضد الجيش لتقضي المحكمة بتجريم كشوف العذرية. إلا أن الطبيب العسكري الذي قام بتلك الكشوف جرت تبرئته في محاكمة عسكرية.
ويرجع تاريخ تلك الاعتداءات الجنسية على سيدات يحضرن الاحتجاجات إلى عام 2005، عندما تعرضت بعض السيدات اللاتي لبعض أشكال التحرش والاعتداء الجنسي.
ومن المعروف أن مواسم الاحتفال بالإجازات الرسمية تشهد أيضا بعض الاعتداءات.
فمع احتفالات العيد من كل عام، يجري استهداف السيدات في وسط العاصمة القاهرة من قبل مجموعات من الشباب، كما أنها تعتبر أمرا شائعا بعد مباريات كرة القدم.
وسمحت حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد منذ الانقلاب على نظام مبارك، بظهور العشرات من المجموعات المناهضة للتحرش.
وقال نصار: "زاد نشاط تلك المجموعات بعد الثورة. وقبل ذلك، كنا مجرد أفراد يريدون القيام بشيء ما. أما الآن فنحن منظمون."
ويرى نصار أن أفضل طريقة لمواجهة ذلك تكمن في تواجد أمني مكثف داخل التجمعات الكبيرة، وذلك إلى جانب حملات التوعية المجتمعية.
0 التعليقات