تقول تقي وقد أجهدتها رحلة الكتابة كشاعرة تسعى متلهفة خلف كل جديد سابحة في بحور الشعر:
عندما أكتب
أبحث عن روحي بين أكوام الحروف
كنحات بوذى يفتش عن وجه الله
في جذع شجرة
وحين أجدها..أجمعها بين أصابعى
برفق
خشية أن يجرحها..حرف حاد
وتبدأ تقي في سرد حكايتها التي تعلمت منها تجربتها الشعرية:
رحلتي كلمة في كتاب الحقيقة وغيمة..في سماء القلق!! لعائلة متوسطة نشأت ، كان أبي رحمه الله صيادا فصيحا، يحفظ الكثير من الشعر والسير الشعبية رغم أنه لم ينل من التعليم أكثر من القراءة والكتابة قبل التحاقي بالمدرسة وكانت جدتي لأبي تعيش معنا، وهي بدورها موسوعة في الحكايات والحواديت، وأناشيد الحجيج، والمناسبات؛ لا أنكر أنها أثرت ذائقتي وأثرت فيها حتى الآن.
ربما تعثرت بالشعر في طريقي..ربما كان أول ما أذكره عن علاقتي الحميمة بالشعر في التاسعة من عمري حين تعثرت بورقة ملقاة على الأرض كانت صفحة من جريدة، وكنت مغرمة بقراءة أي شيء أجده بعيدا عن كتب المدرسة، فالتقطت هذه الورقة لأقرأها لأجد بها كلاما أعجبني جداً لم أكن وقتها أن هذا الكلام يسمى شعراً.
بالورقة كانت قصيدة لبيرم التونسي بعنوان (بعثات) مازلت أذكرها..يقول فيها:
يا افندي يا للي أبوك باعتك تتعلم طب
وفايت العلم وداير تعشق وتحب
سبع سنين فاتت وانت تغطس ما تقب
خليت أبوك من مصروفك يكفر ويسب
سيبك بقى من دي الغربة وارجع بيع لب
وإن شفت في مصر بطالة اقعد بطال
دي مصر عايزة رجالة مش عايزة عيال
احتفظت بالورقة سنوات طويلة حتى مزقتها أختي الأصغر لتنتقم مني أثناء خناقة أخوية كالمعتاد.
ظلت هوايتي في جمع الأشعار وحفظها معي لسنوات طويلة تالية ولم تقتصر قراءتي على الشعر فقرأت الروايات المترجمة للعربية والروايات البوليسية من سن العاشرة..
معراج لسماء تحترق
هو واحد من دواوين تقي. وتقي هذا الحمال الآن بصمت وقوة الشعر بها هادئة متأنية ، لا يهمها اصطحاب الحروف الزائفة من حولها ,علمت أن الشعر صدق فلم تزور ميقات ولادته ومنحته لأجل الذات الكثير, تحبه فتقدره والشعر يجزي الأوفياء له، تعرفت بحرفها هنا مع جمر السؤال. وأحببتها أكثر في أرمم وجه النهار. وتقي الحقيقة في تطور وبحث مستمر ولنقرأ لها قصيدة بعنوان "همسات في أذن شاعرة" تقول فيها:
قبيل الحيل
وما بين ميلاد سر وموت
أمرر سيف القصيدة عبر حدود السكوت
فيشتد جرحي ليرسم غمدا
وينشق حزني يثور..يفور
فما عاد يهدأ
يسيل دم الحرف فوق الجسور
ويرجف ظلي غماما وبردا
تشيخ الفصول علي ساعدي
وترسل ريح المواسم مهدا
إلى أين أمضي
دروبي سراب
وعمري عراء
لم أكن بحاجة للبحث والتنقيب عن أشعار تقي فأنا أعرفها تماما، لذلك حينما بدأت الكتابة عنها طالعني وجهها المصري.. بملامحه القمحية وابتسامتها المتوهجة تفيض على عينين تخبرك بأنها بنت مصر ونبتها، غمرتني السعادة وحروفها تتراقص فوق أوراقي فتقي لغتها طيعة تأسرك شاعريتها ، تعدل فيها كأنها عجين قد اختمر وسهل عليها أن تشكله ببراعة بين يدها، تشحذ شفرات الحروف بحدى السكين فيسيل دم العواطف ناغمة متناغمة
– بصور حداثية رائعة ورموز طبيعية ذات دلالات لا يفهمها إلا الشعراء.
تمنح النصوص وحدة وتآلف فتنساب أبيات الشعر متدحرجة تمنحك حبات الجوافة الطازجة التي كانت لازالت معلقة لتوها على أغصان الشجر في أوان ربيعها، فهذا النص نرى تقى تبحث عن سر يطالعها بين الموت والحياة والسيف الذي يمر على حدود المسكوت، فتبدأ المكاشفة وتتسامى الشاعرة بجرحها النازف قتلا مع سبق الإصرار والترصد فتسعى إلى قصيدة من نزف الروح ومصالحة النفس وعصارة مشاعرها الفياضة.
تستدعي الأحلام
– نزف ودم – وأحلام- ووعد , ترسم أحرف القصيدة على حبات القلب ودرب السراب المستحيل والحلم الذي لا يكون إلا كابوساً وخيبة تشمل أعضاء الشاعرة.
0 التعليقات