ان السؤال الأول الذي يزاحمني – هل استطاعت المرأة في المجتمع الإقليمي أن تغير الصورة العتيقة الكامنة والقابعة في أعماق لاوعي المجتمع عامة وفي لا وعي المثقف خاصة؟
وهل استأصلت المرأة هذه الرواسب التي تنغص عليها علاقتها بالرجل والتي لا يمكن الوصول إليها إلا بإزاحة وكشف وتعرية هذه الصورة؟ إلى أي مدى استجاب أدب المرأة إلى التجربة الفردية والمعاناة الشخصية؟
فقفزت إلى ذهني عمل دراسة عن المبدعات في الإقليم الذي أتواجد فيه أحاول جاهدة أن أحصرهن وألقى نظرة لا هي فاحصة ولا هي عابرة، ولكنها معقولة فيما يكتبن هؤلاء النساء وكيف استطاعت المرأة أن تصل بإبداعها إلى المجتمع وتشارك بإبداعها في المؤتمرات، تعتلي المنصة وتلقي بأشعارها بلا خجل وهل هذا الإبداع وهذا الأدب استجاب إلى التجربة الفردية والمعاناة الشخصية؟ وإلى أي مدى ساهم إبداعها من قصة ورواية وشعر في تعرية المجتمع وقيوده، وكيف تقتفي المرأة الواعية أثر صورتها في لاوعي الرجل المثقف.. بل المجتمع كله.
جولة بين المبدعات في زمن تتحسس المرأة المبدعة فيه طريقها بحذر ، وقد تعلن انسحابها تاركة نجاحات حققتها..
تقي المرسي والبحر بيضحك ليه؟
تقول تقي وقد أجهدتها رحلة الكتابة كشاعرة تسعى متلهفة خلف كل جديد سابحة في بحور الشعر:
عندما أكتب
أبحث عن روحي بين أكوام الحروف
كنحات بوذى يفتش عن وجه الله
في جذع شجرة
وحين أجدها..أجمعها بين أصابعى
برفق
خشية أن يجرحها..حرف حاد
وتبدأ تقي في سرد حكايتها التي تعلمت منها تجربتها الشعرية:
رحلتي كلمة في كتاب الحقيقة وغيمة..في سماء القلق!! لعائلة متوسطة نشأت ، كان أبي رحمه الله صيادا فصيحا، يحفظ الكثير من الشعر والسير الشعبية رغم أنه لم ينل من التعليم أكثر من القراءة والكتابة قبل التحاقي بالمدرسة وكانت جدتي لأبي تعيش معنا، وهي بدورها موسوعة في الحكايات والحواديت، وأناشيد الحجيج، والمناسبات؛ لا أنكر أنها أثرت ذائقتي وأثرت فيها حتى الآن.
ربما تعثرت بالشعر في طريقي..ربما كان أول ما أذكره عن علاقتي الحميمة بالشعر في التاسعة من عمري حين تعثرت بورقة ملقاة على الأرض كانت صفحة من جريدة، وكنت مغرمة بقراءة أي شيء أجده بعيدا عن كتب المدرسة، فالتقطت هذه الورقة لأقرأها لأجد بها كلاما أعجبني جداً لم أكن وقتها أن هذا الكلام يسمى شعراً.
بالورقة كانت قصيدة لبيرم التونسي بعنوان (بعثات) مازلت أذكرها..يقول فيها:
يا افندي يا للي أبوك باعتك تتعلم طب
وفايت العلم وداير تعشق وتحب
سبع سنين فاتت وانت تغطس ما تقب
خليت أبوك من مصروفك يكفر ويسب
سيبك بقى من دي الغربة وارجع بيع لب
وإن شفت في مصر بطالة اقعد بطال
دي مصر عايزة رجالة مش عايزة عيال
احتفظت بالورقة سنوات طويلة حتى مزقتها أختي الأصغر لتنتقم مني أثناء خناقة أخوية كالمعتاد.
حرية سليمان.. وكتابات بطعم التوت
أعود لـ "حرية" والوجوه النسائية التي تجتذبها وكيف نلاحظ تركيبتها النفسية الغريبة فهي تكون محبطة وسعيدة في نفس الوقت، تسأل من خلال رسوماتها على الوجوه التي تصادقها على الورق، والموسيقى التي تنساب من داخل كل لوحة، فتخرج من شرنقة الذات، وتمارس الهروب إلى الحياة، وتذوب في بدر شاكر السياب وأودنيس، وتحفر على الخشب،... وتٍألأ من تحب وتجاوب..وفوق أشواك الورد تتمرد ..وتعصي وتعلن:
لن أمنحك الصيف المنعش
أي ربيع ألق مدهش
أي شتاء
قاس أو صعب الأجواء
وخريف هربت أشجاره
لن يرجعها أي بكاء
وتكمل..في اندهاش
علقت تمائمي الخمسة
شاهد قبر قبل رحيلك
لن أدعوك لحفل راقص
بعد الآخر
فحورية عقائدية تؤمن بالغيب وبالقبر وبالتمائم والأحجبة وبالعين إن هي أصابت حبها فزال عنها الحبيب واصبحت أرملة في سوق الثكالى ترتدي أسودها وتزور قبر المرحوم.
حرية مسكونة بعبق الرواية..وحكي يرسم تفاصيل أبطالها فالرواية تفتح لها عالماً رحباً ممتداً عبر البحار والسموات..
وإذا كان الأدب العربي قديماً لم يعرف أسماء كبيرة من الأديبات اللواتي لهن من الإنتاج الوفير الذي يمكن أن يكون محل دراسة وتمحيص واستنتاج مثلما هو متوفر الآن من الأصوات النسائية على امتداد البلاد العربية.
فإن حرية سليمان قد تصبح واحدة من العلامات المميزة لهذا الأدب.. لكن الذي يشغلني..أين أدب المرأة من الموضوعات الكبيرة فلم نر واحدة في حجم طن حسين أو العقاد .. أو هيكل.. أو الأسواني..؟ فنرى هذه الروايات تترجم وتحاور وتتحاور بين الناس تجري وتقفز على الشاشات معلنة الرفض والتمرد وتبقى المرأة ثائرة على أوراقها تحاول بشتى الطرق أن تدق لكتاباتها أوتاداً صلبة بحجم الإحساس المتدفق إليها وبعمق جراح الأيام من أيام ولادة بنت المستكفي، ومي زيادة حين ودعت طيرها.. (لما أبكتني الآلام أريته منديلي مبللا بالدموع، فأعرض عني إنما تستدر الدموع ظلمة الأحزان كما يستدر الندى ظلام الليل).
وإذا كان الأدب النسائي سيظل يحمل خاصية عذوبة الحس الأنثوي الرهيف فإنه لن يصل إلا لمكنون الروح ولن يلمس ثورة الأشياء خاصة في هذا العصر المتأجج العنيف.
ولهذا نجد أن الشاعرة نازك الملائكة هذه الشاعرة العراقية الكبيرة. كانت بداية مرحلة جديدة في الشعر العربي، لولا اهتمامها بالجانب التنظيري في "الشعر الحر" وما نلمسه في مقدمة ديوانها "شظايا ورماد" ثم في مقدمة ديوانها الثالث "شجرة القمر" والذي حمل مقدمة تصحيحية لمسار "الشعر الحر" بعد عشرين سنة من التجربة. ومن قراءاتي للأدب النسائي واستعراض له قبل الكتابة في هذا الكتاب الباحث عنهن لاحظت عدة أشياء في الأدب النسائي:
أولاً: قلة الإنتاج الأدبي (الشعري) النسائي وغياب أسماء كبيرة متنوعة الأغراض الشعرية أو صاحبات القصائد المطولة.
ثانياً: ندرة من كتبوا الرواية البصمة التي أثرت في الناس فلم أجد في السينما سوى حُسن شاه ابنة الدلتا في (أريد حلاً).. وأيضا كانت القصة معاناة امرأة خالصة
من عالمي أكتب إليكم..داليا طاهر
نعم هي الصحفية وعضواتحاد كتاب مصر داليا طاهر ..نعم هي إبنة الصحفي الكبير جمال طاهر , ولأنها تنتمي إلي أسرة أدبية وصحفية , فأختها نهي طاهر وهي أيضا صحفية , هذه الأسرة كونت فريقا ليضيف شيئا إلي المكتبة العربية من خلال الكتب والموسوعات التي قدموها والأسرة أصلها دقهلاوي , فسعدت وأنا أقرأ كتب داليا التي بهرتني , وبدأت قراءتي بكتابها الممتع وهو أقرب إلي القصص القصيرة الشيقة , حتي العنوان رومانسي حالم , فهي حينما فكرت في أن تسجل قصة حياة لكبار المبدعين في مصر التي شهدت كفاح ونضال امتد عبر العصور وتواصل مع الأجيال التي حملت دماء شابة وواعدة في دفاعها عن الحرية والعدل والمساواة التي نتمتع بها اليوم , حمل كتاب داليا عنوان (شخصيات مصرية ...شموع في بلاط صاحبة الجلالة ) , فالعنوان كما نري جديدا في فكره , فالشموع تذوب لكي تنير للآخرين , فماذا قالت داليا في شموعها , تقول داليا :أن الصحافة هي مرآة العصر التي تنير العقول , وتحررها من العادات والتقاليد , فها هي تضع نبذات قوية تجذب القارئ , تقول عن أنيس منصور ..كاتب صحفي , فيلسوف وأديب نابغ , مصري مخضرم , يتميز بإتقانه لعدة لغات منها الألمانية والإيطالية , وهو صاحب عمود مواقف بالأهرام , محمد حسنين هيكل ..من أبرز الصحفيين القلائل الذين شهدوا وشاركوا في الحياة في الحياة السياسية في مصر , ولعب دورا مهما في الأحداث الهامة التي واكبت ثورة يوليو.
وكانت رحلة الكاتب الروائي جمال الغيطاني معجزة علي كل المستويات , فهو ابن رجل من الصعيد جاء إلي مصر في ظروف شاقة , وأقام علي مقربة من مسجد الحسين , فهو صحفي وأديب مصري , خاض تجربة ثرية ومتميزة في مجال الصحافة والتي تتلاقي مع تجربته كأديب , ثم عمله كمحرر بقسم التحقيقات الصحفية , وأخيرا رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب .
وتستدرجني داليا إلي شخصيات عشقتها علي الورق ولم أكن أعلم عنها شيئا , فها هو محمد التابعي الذي لقب بأمير الصحافة , فقد كان له العديد من قصص الحب والغرام .
كل هذه الشخصيات صاغتها داليا بقلم يقطر خفة وحلاوة بمواهبها المتعددة , ومن اللافت للنظر أن خفة دم قلم داليا يرجع لخفة شديدة في دمها , فينعكس هذا علي قلمها , وأنا كشاعرة أعشق الجمال في الزهرة في المنظر الطبيعي فما بالي بالإنسان ,أعود لداليا في تعريفها للصحافة فتقول : وقد أثمرت الصحافة منذ نشأتها الأولي عن أسماء وشخصيات لامعة , حملت تاريخها , وشكلت قيما وتوجيهات عرفها البشر عبر العصور المختلفة التي مرت بها مصر.
وتواصل داليا إلي أن عبقرية الصحافة في أنها وسيلة شعبية ومباشرة وعامة , جدال في أنها فكرة عبقرية أن يصدر أحد الأفراد جريدة , أومجلة يومية أوشهرية أو أسبوعية , يكتب فيها ما يشاء , ثم يفتح صفحاتها للقراء لكي يتعرفوا علي وجهات نطرهم.
الممتع في أن فكرة الدراما في أسلوبها ممتعة , فهي تستطيع أن تدور بك في قلب الحدث في إطار مشوق وجذاب خاصة حينما نعيش معها في موسوعة الأمثال الشعبية , وعندما سألتها لماذا تكتبي في موضوع استهلك , وكتب عنه الكثيرون ؟ ..قالت المثل الشعبي له تأثير قوي علي نفوس البشر وسلوكهم , فالمعني والغاية يجتمعان في كل أمثال العالم , فالمثل يحمل جمالا في اللفظ وإيجازا في المعني , وأنا كتبت الموسوعة وبها تقريبا كل أمثال الشعوب التي تعتز بها وتناقلتها جيلا بعد جيل , وبالفعل وجدت أمثالا كثيرة تحمل النصيحةوالتحذير في آن واحد خاصة أمثال المرأة وقد عثرت بين هذه الأمثال علي مثل يقول ..إتجوز غبية وخايبة , ولا تتجوز زكية وعايبة ..أوبا..دخلنا في الممنوع , وأعود حزينة لما بدأته , وما يتوارثه الرجل الشرقي عن الجدات , وفي الحقيقة هذا المثل جديد عليه تماما ..فالجدة والأم تنصحان الرجل بأن يتزوج امرأة غبية لا تفهم في أي شئ , وتكاد تكون عالة علي بيتها , فهي غبية , وما أدراك ما الغباء ؟ فهي تجلس أمام بيتها لا تهش ولا تنش ولا تربي طيرة , وبسبب غباءها يخرج أبناءها مثلها فيكونون عبئا ثقيلا علي المجتمع الذي تعيشون فيه , وأنا أعتب علي داليا لوضعها مثل هذا المثل بين أمثالها الموسوعية , وشتان بين قصة حياة كاتبنا الكبير مصطفي أمين والذي تحملت عبئ تربيته هو وتوأمه علي أم عظيمة لم تستسلم لليأس وأخرجت لنا قمما شامخة , كتبت أيضا عن نوذج نسائي لا يقارن وهي روز اليوسف التي كانت رئيسة لتحرير أكبر مجلات مصر , إذن داليا كان يجب أن تنتبه أن مثل هذا المثل لابد أن تحذفه فورا من أمثالها , والعجيب أن المثل يقدم النصيحة الباقية علي مر الزمن بأن يتزوج الخايبة , وأعود لأسأل داليا حينما يتقدم لك عريس , هل يتقدم لأنك خايبة ؟ أم لأنك داليا الأديبة والباحثة والذكية وكم يتمني أن ينجب أطفالا لهم نفس سماتك , إن من أطلق هذا المثل علي المرأة بالتأكيد رجل لتظل المرأة غبية لا تطالبه بأي شئ , فيتنصل من المسئولية , وإن جاء اليوم الذي تصبح فيه زكية سيطلقها ...آه نحن لم نتفق علي ذلك , من هنا احتد الصراع بين فكر المرأة التقدمي , وفكر الرجل الرجعي , والتي فجرته بذكاء شديد داليا طاهر , وأعود هنا لقضية تحرير المرأة والتي نادي بها قاسم أمين وظلت تشغلنا أعواما , ثم قضية الأدب من ناحية المضمون, والذي يرتكز علي الصراع , فقد تكون قضية المرأة مع الرجل من أهم هذه الصراعات , فلقد كان الأدب الكلاسيكي يرتكز علي مفهومين قديمين يتعلقان بنصيب المرأة الأدبي من هذا الصراع , وقد سلطت داليا كاميرا قلمها الإبداعي للغوص فيها ونحن معها , وحاولت الكتابة خارج الأدب , ولكنها ألبست أبطالها المزركش والمدندش لتناقش قضيتها بين أكبر جمع من النساء ..شكرا داليا
0 التعليقات