نوقشت أمس السبت 16/6/2012م فى مقر اتحاد كتاب مصر فرع المنصورة رواية "محاولة التقاط صورة" للقاص والروائى "فكرى عمر".
بدأت المناقشة فى الساعة السابعة مساءً بحضور رئيس اتحاد كتاب المنصورة الشاعرة "فاطمة الزهراء فلا"، والقاص والروائى "فرج مجاهد عبد الوهاب"، والمناقش الروائى والناقد "فكرى داوود"، وكتاب وشعراء من المنصورة.
قدم القاص "أيمن باتع فهمى" الرواية قائلاً: سأظل أردد دائماً مع "ماريو فرجاس يوسا": أفضل القصص ما جاء تعبيراً شعرياً عن الواقع، وهو ما تجسد فى رواية "محاولة التقاط صورة" لـ"فكرى عمر".
الرواية هى العمل الأول للروائى، لكن من يقرأ الرواية ينتابه شعور بأن الكاتب قد كتب قبلها عشرات الروايات إذ أن الرواية تخلو من فذلكة البدايات، واستعراض الأدوات، والتقنيات.. فبأسلوب واقعى مشحون بشاعرية عالية خرجت صرخة ربما تكون امتداد لصرخة "توفيق الحكيم" فى "يوميات نائب فى الأرياف"، وصرخة "يوسف إدريس" فى "الحرام"، وصرخة "يحيى حقى" فى "دماء وطين"، بل وصرخة "نجيب محفوظ" فى ثلاثيته الشهيرة مع ملاحظة أن معظم تلك الصرخات السابقة أشبة بصرخة مشاهد لهذه المجتمعات من شرفة عالية. ولعل الروح الصوفية لدى "فكرى عمر" جعلته فى الجزء الثانى من الرواية يتنبأ بحدوث الثورة رغم العبارة الشهيرة التى كانت تكبل عقول وقلوب المصريين فى غالبيتهم "مفيش فايدة".
بحس مرهف وبرؤية شفافة أقرب إلى زرقاء اليمامة استطاع "فكرى عمر" أن ينفذ إلى روح مصر الحقيقية، وأن يكون بطله رغم انكساره أحد إرهاصات الثورة التى تحققت بعد عام من كتابة الرواية.
ثم طلب من الروائى "فكرى عمر" اختيار بعض المقاطع للقراءة، ثم قدم الروائى والناقد "فكرى داوود"..
بدأ الروائى والناقد "فكرى داوود" بعرض شامل لأحداث الرواية التى خرجت فى جزأين، مثنياً على إلمام كاتب الرواية بخيوط الحبكة، والعرض المشوق الذى تحملة لغة شاعرية إيحائية واقعية الأداء، كما حرص الروائى أن يطرح أمامنا واقعنا جميعاً فى فترة من الفترات سبقت الثورة التى لم تكتمل بعد.
إن الرواية تضعنا أمام واقع يعرفه الكاتب وهذا هو الجيد؛ إذ أن الكاتب لا بد أن يعرف العالم الذى يكتب عنه، وهذا بالضبط ما فعله "فكرى عمر" فى روايته، ثم حلل بعض شخصيات الرواية المؤثرة من جوانبها الاجتماعية، والثقافية، والفكرية مؤكداً ملحوظة مهمة وهى أن كل الشخصيات الفاعلة فى الرواية هى شخصيات مأزومة بشكل ما؛ فشخصية "صالح الششتاوى" هى الشخصية التى تبدأ بها الرواية.. هو الجد لعائلة ريفية. نال هو وأمه فدانيين فى مشروع الإصلاح الزراعى بعد ثورة 1952م وهى أيضاً لحظات بدء الرواية. هذا الجد مأزوم بالشباب الضائع، والزوجة المقعدة، والطموحات القديمة لامتلاك القوة والتى ماتت مع الزمن، وأراد إحياؤها بشكل ما بزواجه من امرأة الموالد التى تنجب له "أزهار" وترحل، حين تغادره الفحولة إلى مكان لا يعرفه أبداً.
أما "أزهار" فهى الأخرى مأزومة بإخوة ليسوا أشقاء.. تفتقد الحنان والحب وتحمل عار أمها فوق كاهلها، حين تجد هذا الحب مع "نعمان" يحدث بينهما لقاءًا يترك أثراً فاضحاً فى أحشائها؛ ولأن الشخصيات تدور فى وقائع قاسية تحركها وقائع لا يملك الإنسان الريفى فى ذلك الزمن طرح وجهة نظره بل والتمسك بها يرحل "نعمان"، وتتخلص "أزهار" من حياتها بالسم بعد أن عرفت أن إخوتها يدبرون للخلاص منها.
أما "على" فيرى عمته، ويعيد إنتاج حكايتها فى الجزء الثانى فى الوقائع الخانقة التى يختارها وتلك التى تفرض عليه. إنه يطرح سؤالاً حول جدوى الاختيار، والواقع الذى يفرض علينا فرضاً دون أن نحاول تغييرها ومن خلال هذه الإجابة يندفع إلى الإيمان بأن مأساته كفرد هى جزء من مأساة مصر كلها؛ فيؤمن بأن تغيير الواقع بثورة هو وحده الكفيل بتغيير كل أفراده، وهو يواجه أفراد المجتمع فى ذلك الوقت مثل "صادق صفوان" المنتمى فكرياً لما يسمى حالياً بالسلفيين. تتصادم الرؤى؛ لأن "صادق" يرى أن تغيير المجتمع لا بد أن يبدأ بالفرد، كما أن على الفرد أن يتقبل أقداره برضا مؤمناً بأن هذا جزءً مما كتبه الله على الإنسان. كما تصطدم رؤيته برؤية الحبيبة "حياة مصطفى"، التى تنتمى بدرجة ما إلى أسرة ميسورة، التى تخاف من ذكر كلمة "ثورة" وتترك "على" فى النهاية عندما أودع السجن.
يتقابل "على" بمن يؤمن بضرورة الثورة على الأوضاع الفاسدة وهو شاب مدينى من المنصورة هو "سيد كامل".. و"سيد" مأزوم بتاريخ والده العقيد الذى أقيل من الخدمة فى جهاز الشرطة؛ لتورطه فى قضايا تعذيب أدت إلى الموت. تتكامل الرؤى بين "على و"سيد" حتى يجدا راعيا هو الدكتور "فؤاد ناجى" الذى كان مؤمناً بالاشتراكية طوال حياته وقد عاش رغم ذلك بأمريكا فترة طويلة دون أن تتزعزع أفكاره، وقد حانت اللحظة، هكذا يخبرهم، بالتغيير.
ينكشف زيف هذا الدكتور الجامعى الذى يهرب فى لحظة الجد، ويقبض على "على" و"سيد" وبعض أفراد التنظيم الذين يكرسون لإحداث تظاهرات كثيفة فى وسط العمال والمهمشين بتكنيكات مختلفة لإحداث الثورة المرجوة.
تنتهى الرواية برؤية أقرب للحلم حيث يرى "على" وهو خارج من المستشفى الذى أودع فيها بعد خروجه من السجن مدينة جديدة بيوتها بيضاء، وميادينها لامعة، وناسها يتحركون بخفة.. إنها المدينة المرجوة، وقد أُخبر الناقد أن فصلاً أخيراً حذف من الرواية التى أتممت فى بدايات 2010م عن خروج الشباب للشوارع والميادين للمناداة بالتغيير، وقد برر "فكرى عمر" حذف هذا الفصل لضرورة فنية؛ حيث حدثت الثورة قريباً مما كتب، لكن ببعض التفاصيل المختلفة، وتأخرها فى النشر جعله يتخذ قرار بالحذف؛ حتى لا تقف الرواية عند حدث سياسى ولو كان بعظمة ثورة 25 يناير التى لم تكتمل بعد، وأنها، الرواية، كعمل فنى يتمنى أن لا تقف عند هذا الحدث بل ترصد واقعاً خانقاً يدفع القارئ دوماً للرغبة فى التغيير.
وقد فتح باب المداخلات، وعرض الرؤى، والآراء، وطرح الأسئلة..
بدأ القاص والروائى "محمد خليل" بتهنئة الروائى بروايته، والترحيب بالناقد والحضور، ثم وجهاً سؤالاً لـ"فكرى عمر" حول مشروعية تغيير أو حذف الجزء من الفصل الأخير الذى يؤكد أن شباب هذا الجيل سيقومون بثورة فى ميادين مصر، وسيكون ميدان التحرير هو أيقونة هذه الثورة، فقال "فكرى عمر": الرواية كتبت عام 2006م وقمت بتنقيحها أكثر من مرة حتى انتهيت أخيراً من صياغة نهائية فى إبريل 2010م، وطبعت نسحاً شخصية وزعتها على أصدقاء أثق فى رؤيتهم الفنية من الكتاب ومنهم القاص "أيمن باتع فهمى" الذى طرح فى البداية نفس السؤال، ثم قدمتها للنشر وتأخر النشر، حتى حدثت الثورة، ففكرت كثيراً، ثم قمت بحذف هذا الجزء وتركت النهاية مفتوحة، لأن الرواية فى مجملها ترصد واقعى وحكايات الأجيال الراحلة فى فترة رديئة سياسياً، واجتماعياً.. فالذى سيقرأ الرواية لا بد سيتمنى أن يتغير هذا الواقع الذى لم يتغير حتى هذا الوقت. لقد فكرت بالفعل كثيراً قبل أن أحذف هذا الجزء، لكنى راض بشكل الرواية هكذا حتى لا تكون مرتبطة قرائياً كما قلت منذ قليل بأى حدث سياسى، لأن الرواية تكتب لتقرأ من مستويات متعددة أهمها البعد الجمالى.
ثم طلب القاص والروائى "إبراهيم عبد الباسط" الكلمة.. قال أنه شعر بعد قراءة الرواية أنه بإزاء عمل جاد ومهم، ثم طرح استفسارًا كمقدمة لبعض ما يراه: ما هو الإبداع فى الأدب؟ الإبداع فى الأدب والفن عموماً هو تسليط الضوء على الوقائع، والأحداث للخروج برؤية، وأن الأدب الراقى يغيرك بعد أن تقرأه، وقد حدث هذا بعد قراءته للرواية التى حققت هدفين: الأول معرفى، والثانى جمالى، والعنوان الذى يعد عتبة العمل الروائى "محاولة التقاط صورة" يعطيك هذه الدلالة، انك بإزاء تجربة لرصد صور، ووقائع معينة من الحياة لها ارتباط وثيق بتحليل العلاقات بين أفراد المجتمع الريفى فى الجزء الأول، ثم علاقات أفراد هذا المجتمع بأفراد مجتمع المدينة فى وقت عانت فيه مصر ولا تزال من مشاكل اجتماعية، وسياسية.. ونوه إلى بعض الملحوظات التى تمنى أن يتلافاها الكاتب فى الأعمال اللاحقة مثل قطع الموقف العاطفى لرصد وتصوير أشياء أخرى ثم العودة مرة أخرى إلى نفس الموقف، أما رؤيته للحوار فرأى أنه كان يجب أن يأخذ مساحة أكبر فى الرواية ليساعد السرد الكثيف فى إبراز ملامح الشخصية، رغم نجاح الحوار القليل فى رسم بعضها.. ورصد الكاتب لبعض الرؤى الدينية والاجتماعية لمختلف الشخصيات داخل الرواية وربطها بالسياق العام.. وتكلم عن رسالة ما داخل العمل كان يجب أن تكون أكثر بزوغاً؟ ورد "فكرى عمر" على سؤاله بأنه أراد أن ينقل الحكاية التى ستتولى بعد ذلك من خلال القراءات المتعددة إبراز أشياء متعددة قد تكون بعضها رسائل مضمرة، وليست صريحة بالمعنى الحكمى الذى لا يحبذه فى الكتابة.
أما الشاعر "أحمد إسماعيل" فقد أكد أن تكرار الكتابة يجعل العمل الأدبى أكثر جودة لأن النص الأدبى ليس مقدساً، لكنه تساءل عن بعض الجمل الطويلة، والاستدراك فى الوصف والتى كانت تفصله أحياناً عن الحالة، لكنها فى النهاية لم تفصله عن المعنى الإجمالى للرواية.
أما القاصة "سمية عودة" فقد هنأت الكاتب بروايته التى وصفتها بأنها جميلة، ووصفت الكاتب بأنه واعد، وقد تمنت على الكاتب أن تكون النظرة لديه أكثر تفاؤلاً.. "لأننى قلقت من إنتحار العمة وتكرار تسليط الضوء على الحادث، ومحاولة "على" لأكثر من مرة فعل ذلك" كما قالت.
وقال "فكرى عمر" بأن الرواية كتبت فى فترة لم نزل نعيش دخانها الخانق، وأن الحكاية كانت ترصد هذا الحنق، وهذا الكبت فى الواقع إلا أن النهاية جاءت لتشيع جو الحلم والرغبة فى الخلاص من هذا الواقع الضاغط باتجاه التغيير الذى حدث بالفعل، ولم يكتمل بعد..
أما الدكتور "منتصر العدل" فقد وجه سؤالاً للناقد عن مزية نشر مساوئ المجتمع فى عمل فنى وتأثيرها السلبى أحياناً على القراء. فقال "فكرى داوود": إن الكُتّاب فى تناولهم لقضايا مجتمعهم إنما يرسمون صورة لمجتمع يتمنون أن يتخلص منها، وهم فى إبرازهم لهذه الصورة وما لها من قوة فى فضح وكشف زيف الأشخاص والأفكار إنما يوجهون الأفراد خفية لرفض هذا؛ لأنك حين تفضح السوء إنما تدفع القارئ لاتجاه معاكس، ليس بالشكل الدينى ولكن بالشكل الاجتماعى الجمالى.
أما الأستاذ "هشام بكر" فقد أشاد بالرواية وبجهد الناقد فى توصيف العمل، والوقوف على جمالياته وكذلك الإشارة إلى بعض الأشياء التى يجب على "فكرى عمر"، وقد قال "السعيد السيد": إننى لن أحتاج أن أمدح "فكرى عمر" لكننى استمتعت جداً بهذه الرواية حين قرأتها.. وقال "فكرى عمر" فى النهاية أنه مهما كانت الملحوظات فعلى الكاتب أن يتقبلها بصدر رحب مثلما يتقبل الإشادات والآراء الإيجابية بالضبط؛ لأن ذلك سيساعده على تجاوز بعض الهنات فى المستقبل.
دارت المناقشة فى جو إيجابى رائع بحضور بعض الكتاب والشعراء الذين لم تثنهم الظروف الانتخابية عن حضور الندوة.
بدأت المناقشة فى الساعة السابعة مساءً بحضور رئيس اتحاد كتاب المنصورة الشاعرة "فاطمة الزهراء فلا"، والقاص والروائى "فرج مجاهد عبد الوهاب"، والمناقش الروائى والناقد "فكرى داوود"، وكتاب وشعراء من المنصورة.
قدم القاص "أيمن باتع فهمى" الرواية قائلاً: سأظل أردد دائماً مع "ماريو فرجاس يوسا": أفضل القصص ما جاء تعبيراً شعرياً عن الواقع، وهو ما تجسد فى رواية "محاولة التقاط صورة" لـ"فكرى عمر".
الرواية هى العمل الأول للروائى، لكن من يقرأ الرواية ينتابه شعور بأن الكاتب قد كتب قبلها عشرات الروايات إذ أن الرواية تخلو من فذلكة البدايات، واستعراض الأدوات، والتقنيات.. فبأسلوب واقعى مشحون بشاعرية عالية خرجت صرخة ربما تكون امتداد لصرخة "توفيق الحكيم" فى "يوميات نائب فى الأرياف"، وصرخة "يوسف إدريس" فى "الحرام"، وصرخة "يحيى حقى" فى "دماء وطين"، بل وصرخة "نجيب محفوظ" فى ثلاثيته الشهيرة مع ملاحظة أن معظم تلك الصرخات السابقة أشبة بصرخة مشاهد لهذه المجتمعات من شرفة عالية. ولعل الروح الصوفية لدى "فكرى عمر" جعلته فى الجزء الثانى من الرواية يتنبأ بحدوث الثورة رغم العبارة الشهيرة التى كانت تكبل عقول وقلوب المصريين فى غالبيتهم "مفيش فايدة".
بحس مرهف وبرؤية شفافة أقرب إلى زرقاء اليمامة استطاع "فكرى عمر" أن ينفذ إلى روح مصر الحقيقية، وأن يكون بطله رغم انكساره أحد إرهاصات الثورة التى تحققت بعد عام من كتابة الرواية.
ثم طلب من الروائى "فكرى عمر" اختيار بعض المقاطع للقراءة، ثم قدم الروائى والناقد "فكرى داوود"..
بدأ الروائى والناقد "فكرى داوود" بعرض شامل لأحداث الرواية التى خرجت فى جزأين، مثنياً على إلمام كاتب الرواية بخيوط الحبكة، والعرض المشوق الذى تحملة لغة شاعرية إيحائية واقعية الأداء، كما حرص الروائى أن يطرح أمامنا واقعنا جميعاً فى فترة من الفترات سبقت الثورة التى لم تكتمل بعد.
إن الرواية تضعنا أمام واقع يعرفه الكاتب وهذا هو الجيد؛ إذ أن الكاتب لا بد أن يعرف العالم الذى يكتب عنه، وهذا بالضبط ما فعله "فكرى عمر" فى روايته، ثم حلل بعض شخصيات الرواية المؤثرة من جوانبها الاجتماعية، والثقافية، والفكرية مؤكداً ملحوظة مهمة وهى أن كل الشخصيات الفاعلة فى الرواية هى شخصيات مأزومة بشكل ما؛ فشخصية "صالح الششتاوى" هى الشخصية التى تبدأ بها الرواية.. هو الجد لعائلة ريفية. نال هو وأمه فدانيين فى مشروع الإصلاح الزراعى بعد ثورة 1952م وهى أيضاً لحظات بدء الرواية. هذا الجد مأزوم بالشباب الضائع، والزوجة المقعدة، والطموحات القديمة لامتلاك القوة والتى ماتت مع الزمن، وأراد إحياؤها بشكل ما بزواجه من امرأة الموالد التى تنجب له "أزهار" وترحل، حين تغادره الفحولة إلى مكان لا يعرفه أبداً.
أما "أزهار" فهى الأخرى مأزومة بإخوة ليسوا أشقاء.. تفتقد الحنان والحب وتحمل عار أمها فوق كاهلها، حين تجد هذا الحب مع "نعمان" يحدث بينهما لقاءًا يترك أثراً فاضحاً فى أحشائها؛ ولأن الشخصيات تدور فى وقائع قاسية تحركها وقائع لا يملك الإنسان الريفى فى ذلك الزمن طرح وجهة نظره بل والتمسك بها يرحل "نعمان"، وتتخلص "أزهار" من حياتها بالسم بعد أن عرفت أن إخوتها يدبرون للخلاص منها.
أما "على" فيرى عمته، ويعيد إنتاج حكايتها فى الجزء الثانى فى الوقائع الخانقة التى يختارها وتلك التى تفرض عليه. إنه يطرح سؤالاً حول جدوى الاختيار، والواقع الذى يفرض علينا فرضاً دون أن نحاول تغييرها ومن خلال هذه الإجابة يندفع إلى الإيمان بأن مأساته كفرد هى جزء من مأساة مصر كلها؛ فيؤمن بأن تغيير الواقع بثورة هو وحده الكفيل بتغيير كل أفراده، وهو يواجه أفراد المجتمع فى ذلك الوقت مثل "صادق صفوان" المنتمى فكرياً لما يسمى حالياً بالسلفيين. تتصادم الرؤى؛ لأن "صادق" يرى أن تغيير المجتمع لا بد أن يبدأ بالفرد، كما أن على الفرد أن يتقبل أقداره برضا مؤمناً بأن هذا جزءً مما كتبه الله على الإنسان. كما تصطدم رؤيته برؤية الحبيبة "حياة مصطفى"، التى تنتمى بدرجة ما إلى أسرة ميسورة، التى تخاف من ذكر كلمة "ثورة" وتترك "على" فى النهاية عندما أودع السجن.
يتقابل "على" بمن يؤمن بضرورة الثورة على الأوضاع الفاسدة وهو شاب مدينى من المنصورة هو "سيد كامل".. و"سيد" مأزوم بتاريخ والده العقيد الذى أقيل من الخدمة فى جهاز الشرطة؛ لتورطه فى قضايا تعذيب أدت إلى الموت. تتكامل الرؤى بين "على و"سيد" حتى يجدا راعيا هو الدكتور "فؤاد ناجى" الذى كان مؤمناً بالاشتراكية طوال حياته وقد عاش رغم ذلك بأمريكا فترة طويلة دون أن تتزعزع أفكاره، وقد حانت اللحظة، هكذا يخبرهم، بالتغيير.
ينكشف زيف هذا الدكتور الجامعى الذى يهرب فى لحظة الجد، ويقبض على "على" و"سيد" وبعض أفراد التنظيم الذين يكرسون لإحداث تظاهرات كثيفة فى وسط العمال والمهمشين بتكنيكات مختلفة لإحداث الثورة المرجوة.
تنتهى الرواية برؤية أقرب للحلم حيث يرى "على" وهو خارج من المستشفى الذى أودع فيها بعد خروجه من السجن مدينة جديدة بيوتها بيضاء، وميادينها لامعة، وناسها يتحركون بخفة.. إنها المدينة المرجوة، وقد أُخبر الناقد أن فصلاً أخيراً حذف من الرواية التى أتممت فى بدايات 2010م عن خروج الشباب للشوارع والميادين للمناداة بالتغيير، وقد برر "فكرى عمر" حذف هذا الفصل لضرورة فنية؛ حيث حدثت الثورة قريباً مما كتب، لكن ببعض التفاصيل المختلفة، وتأخرها فى النشر جعله يتخذ قرار بالحذف؛ حتى لا تقف الرواية عند حدث سياسى ولو كان بعظمة ثورة 25 يناير التى لم تكتمل بعد، وأنها، الرواية، كعمل فنى يتمنى أن لا تقف عند هذا الحدث بل ترصد واقعاً خانقاً يدفع القارئ دوماً للرغبة فى التغيير.
وقد فتح باب المداخلات، وعرض الرؤى، والآراء، وطرح الأسئلة..
بدأ القاص والروائى "محمد خليل" بتهنئة الروائى بروايته، والترحيب بالناقد والحضور، ثم وجهاً سؤالاً لـ"فكرى عمر" حول مشروعية تغيير أو حذف الجزء من الفصل الأخير الذى يؤكد أن شباب هذا الجيل سيقومون بثورة فى ميادين مصر، وسيكون ميدان التحرير هو أيقونة هذه الثورة، فقال "فكرى عمر": الرواية كتبت عام 2006م وقمت بتنقيحها أكثر من مرة حتى انتهيت أخيراً من صياغة نهائية فى إبريل 2010م، وطبعت نسحاً شخصية وزعتها على أصدقاء أثق فى رؤيتهم الفنية من الكتاب ومنهم القاص "أيمن باتع فهمى" الذى طرح فى البداية نفس السؤال، ثم قدمتها للنشر وتأخر النشر، حتى حدثت الثورة، ففكرت كثيراً، ثم قمت بحذف هذا الجزء وتركت النهاية مفتوحة، لأن الرواية فى مجملها ترصد واقعى وحكايات الأجيال الراحلة فى فترة رديئة سياسياً، واجتماعياً.. فالذى سيقرأ الرواية لا بد سيتمنى أن يتغير هذا الواقع الذى لم يتغير حتى هذا الوقت. لقد فكرت بالفعل كثيراً قبل أن أحذف هذا الجزء، لكنى راض بشكل الرواية هكذا حتى لا تكون مرتبطة قرائياً كما قلت منذ قليل بأى حدث سياسى، لأن الرواية تكتب لتقرأ من مستويات متعددة أهمها البعد الجمالى.
ثم طلب القاص والروائى "إبراهيم عبد الباسط" الكلمة.. قال أنه شعر بعد قراءة الرواية أنه بإزاء عمل جاد ومهم، ثم طرح استفسارًا كمقدمة لبعض ما يراه: ما هو الإبداع فى الأدب؟ الإبداع فى الأدب والفن عموماً هو تسليط الضوء على الوقائع، والأحداث للخروج برؤية، وأن الأدب الراقى يغيرك بعد أن تقرأه، وقد حدث هذا بعد قراءته للرواية التى حققت هدفين: الأول معرفى، والثانى جمالى، والعنوان الذى يعد عتبة العمل الروائى "محاولة التقاط صورة" يعطيك هذه الدلالة، انك بإزاء تجربة لرصد صور، ووقائع معينة من الحياة لها ارتباط وثيق بتحليل العلاقات بين أفراد المجتمع الريفى فى الجزء الأول، ثم علاقات أفراد هذا المجتمع بأفراد مجتمع المدينة فى وقت عانت فيه مصر ولا تزال من مشاكل اجتماعية، وسياسية.. ونوه إلى بعض الملحوظات التى تمنى أن يتلافاها الكاتب فى الأعمال اللاحقة مثل قطع الموقف العاطفى لرصد وتصوير أشياء أخرى ثم العودة مرة أخرى إلى نفس الموقف، أما رؤيته للحوار فرأى أنه كان يجب أن يأخذ مساحة أكبر فى الرواية ليساعد السرد الكثيف فى إبراز ملامح الشخصية، رغم نجاح الحوار القليل فى رسم بعضها.. ورصد الكاتب لبعض الرؤى الدينية والاجتماعية لمختلف الشخصيات داخل الرواية وربطها بالسياق العام.. وتكلم عن رسالة ما داخل العمل كان يجب أن تكون أكثر بزوغاً؟ ورد "فكرى عمر" على سؤاله بأنه أراد أن ينقل الحكاية التى ستتولى بعد ذلك من خلال القراءات المتعددة إبراز أشياء متعددة قد تكون بعضها رسائل مضمرة، وليست صريحة بالمعنى الحكمى الذى لا يحبذه فى الكتابة.
أما الشاعر "أحمد إسماعيل" فقد أكد أن تكرار الكتابة يجعل العمل الأدبى أكثر جودة لأن النص الأدبى ليس مقدساً، لكنه تساءل عن بعض الجمل الطويلة، والاستدراك فى الوصف والتى كانت تفصله أحياناً عن الحالة، لكنها فى النهاية لم تفصله عن المعنى الإجمالى للرواية.
أما القاصة "سمية عودة" فقد هنأت الكاتب بروايته التى وصفتها بأنها جميلة، ووصفت الكاتب بأنه واعد، وقد تمنت على الكاتب أن تكون النظرة لديه أكثر تفاؤلاً.. "لأننى قلقت من إنتحار العمة وتكرار تسليط الضوء على الحادث، ومحاولة "على" لأكثر من مرة فعل ذلك" كما قالت.
وقال "فكرى عمر" بأن الرواية كتبت فى فترة لم نزل نعيش دخانها الخانق، وأن الحكاية كانت ترصد هذا الحنق، وهذا الكبت فى الواقع إلا أن النهاية جاءت لتشيع جو الحلم والرغبة فى الخلاص من هذا الواقع الضاغط باتجاه التغيير الذى حدث بالفعل، ولم يكتمل بعد..
أما الدكتور "منتصر العدل" فقد وجه سؤالاً للناقد عن مزية نشر مساوئ المجتمع فى عمل فنى وتأثيرها السلبى أحياناً على القراء. فقال "فكرى داوود": إن الكُتّاب فى تناولهم لقضايا مجتمعهم إنما يرسمون صورة لمجتمع يتمنون أن يتخلص منها، وهم فى إبرازهم لهذه الصورة وما لها من قوة فى فضح وكشف زيف الأشخاص والأفكار إنما يوجهون الأفراد خفية لرفض هذا؛ لأنك حين تفضح السوء إنما تدفع القارئ لاتجاه معاكس، ليس بالشكل الدينى ولكن بالشكل الاجتماعى الجمالى.
أما الأستاذ "هشام بكر" فقد أشاد بالرواية وبجهد الناقد فى توصيف العمل، والوقوف على جمالياته وكذلك الإشارة إلى بعض الأشياء التى يجب على "فكرى عمر"، وقد قال "السعيد السيد": إننى لن أحتاج أن أمدح "فكرى عمر" لكننى استمتعت جداً بهذه الرواية حين قرأتها.. وقال "فكرى عمر" فى النهاية أنه مهما كانت الملحوظات فعلى الكاتب أن يتقبلها بصدر رحب مثلما يتقبل الإشادات والآراء الإيجابية بالضبط؛ لأن ذلك سيساعده على تجاوز بعض الهنات فى المستقبل.
دارت المناقشة فى جو إيجابى رائع بحضور بعض الكتاب والشعراء الذين لم تثنهم الظروف الانتخابية عن حضور الندوة.
0 التعليقات