روز الزهراء اليوم

تعرفنا على شعراء الثورة من خلال القنوات التلفزيونية لأن وحي الشعر كان متدفقاً ولم يملك شعراء اللحظة الوقت الكافي لرصّ الشعر في ديوان، أو الانتظار لحين المصادقة على محتواه من مؤسسات رقابة الدولة التي كانت تمر بحالة من تجاذبات صراع الانتماء. إضافة إلى أن الشعراء هم من ضمن أفراد الشعب الذي تم إفقاره مادياً وثقافياً ولم يكونوا ليجازفوا بالوقت الضائع لجمع ثمن تكلفة طباعة ديوان شعر، ستتم مصادرته على أي حال قبل نزوله للأسواق. والأهم من ذلك، أنهم كانوا ينظمون الشعر للقادر على الاستماع، خصوصاً أولئك الذين حرموا فرصة تعلم القراءة ومن داستهم سنابك خيل القهر مراراً فشوهت حواسهم التي لم يبق منها إلا القدرة على الاستماع والتلقي.

من ضمن هؤلاء الشعراء، شاعر الشارع المصري 'هشام الجخ' الذي لم يطل علينا من ديوان، لأنه لم يطبع أي من شعره. بل ناولنا الطازج من شعر الثورة من خلال الأسلاك الشائكة للإعلام المرئي. أطلّ مثلاً من قناة 'دريم' حاملاً صوت الغالبية على إيقاع الوجع (شعور سخيف.. إنك تحسّ بإن وطنك شيء ضعيف'. ثم صدح من خلال شاشة قناة أبو ظبي الأولى، معترضاً على تضييق الحكومات العربية على المواطن القادم من دولة شقيقه، من خلال قصيدة 'التأشيرة'. والشاعر هشام الجخ الذي بدأ قصيدة ثلاث خرفان، بالصلاة والسلام على النبي الهمام، استدعته يوم أمس النيابة المصرية لأنه متهم بـ'ازدراء الأديان'.

المحزن في الأمر أن مقدم البلاغ ضده هو محامية استمعت لقصيدته: 'بُنِيَ الإنسان على خمس، أمل مروة هالة يارا نانا'.

وحسب ما جاء في الخبر أن تحقيقات محمود الدشلوطي، وكيل أول نيابة القاهرة الجديدة، وسكرتارية روماني ذكري، أن 'سلوى الفارسي' المحامية، قامت بتحرير محضر رقم 2051 لسنة 2012 إداري قسم القاهرة الجديدة ثان، تتهم فيه الشاعر هشام الجخ بازدراء الأديان، وأنه استخدم مقدمات دينية في قصيدته 'بُنِيَ الإنسان على خمس. وقدمت الشاكية جزءًا من القصيدة كإثبات للجريمة، جاءت كالتالي:

'هجرَتْني أجسادُ النسوةِ مَنْ كُنَّ يعُمنَ بأنهاري. يرقصن إذا شئتُ عرايا. وينمن يميني ويساري. ويبتن على سلم بيتي. ويطفن ويحجُجْن لداري. ويقمن الليل لتسبيحي. يتلين بهجدٍ أذكاري. وأنا مَنْ يملكُ مَنْ يحكم مَنْ يدخلهن إلى الجنة أو يرسلهن إلى النار.' وأضافت الشاكية أن الشاعر استخدم كلمات دينية وشبّه اسم القصيدة بأركان الإسلام الخمس.

فأمرت النيابة بإشراف المستشار وائل الدرديري باستدعاء المحامية والشاعر هشام الجخ، لسماع أقوالهما في التحقيق.

محزن جداً أن يهبط مستوى ثقافة المحامين إلى درجة اعتبار أي مفردة جاءت في نصّ ديني، هي ازدراء لذلك الدين أو أن تلك المفردات حكر على النصوص الدينية. أو أن ما يرد في نصّ ديني يصبح محرماً على الاستخدام لأغراض أخرى. إن القرآن والسنّة والغالبية العظمى من الدراسات والاجتهادات الإسلامية مكتوبة باللغة العربية، لغة القرآن. ومجرد توافق المفردة أو إيقاعها أو استخدامها للرمزية لا يجعلها جريمة أو ازدراء للدين.

الأكثر إيلاماً تصاعد عدد الاتهامات المقدمة للنيابة بتهمة ازدراء الأديان بعد إسقاط حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. لقد اتهم عميد الكوميديا المصرية، عادل إمام، بازدراء الأديان وبرأه القضاء. ويوم أمس كان هناك خبر عن طفلين قبطيين اعتقلا بتهمة ازدراء الأديان، أحدهما في التاسعة من العمر. إن كان الإسلام ذاته لا يعتبر الطفل من هذه الفئة العمرية مكلفّ بالتصرف في ماله الخاص أو مطالب بالواجبات المفروضة على البالغين لعدم وصوله سن وكفاءة من يتم تكليفه من وجهة نظر القانون أو الشرع، فكيف يتم إضاعة وقت وجهد مؤسسات الدولة في الجري خلفه.

إن تصاعد وتيرة القضايا التي تتصيد المبدعين من بوابة الدين أمر يستدعي القلق لأنه يشير إلى التضييق على حرية التعبير، محولاً مصر إلى دولة بوليسية رغم أن الرئيس محمد مرسي أكد مراراً أن حكومته في خدمة الفرد المصري بغض النظر عن أي اعتبارات. آن الأوان لحكومة السيد الرئيس باتخاذ موقف من تصاعد هذا الأسلوب الذي لا يليق بمصر ما بعد الثورة، التي بحاجة لجهد الأفراد والمؤسسات لمتابعة أمور أكثر إلحاحاً وأهمية. إن الرمز ضروري في الإبداع للتعبير عن الرأي. وفي قصص القرآن الكثير من الأمثلة والمواعظ والحكم التي تدل على قوة تأثير اللغة في المستمع.

إن القيام بتفلية كل نص إبداعي، شعري أو درامي أو مسرحي لتصيّد التهم سوف يقضي على الفئة المثقفة التي ميزت الشعب المصري عن غيره وجعلته رائد الدول العربية في ميادين الثقافة المختلفة. يبقى لدينا تساؤل مشروع. أين كانت الأستاذه المحامية عندما كانت تزدرى حقوق الإنسان.

كاتبة واعلامية فلسطينية تقيم في بريطانيا