دكتور عادل دنيور أثناء عمليتي وقد أصريت علي تصويره لتكون ذكري حتي بعد رحيلي
سأل عني الشاعر الكبيرابراهيم رضوان, وأخبرني أنه لم يعرف بالعملية إلا من الصديق والأخ المحترم الدكتور علي ماهر البقلاوي , ثم بادر بسؤالي إلا إيه حكاية الغدة ؟ وهل كان لابد من إزالتها ؟ فكرت برهة ثم قلت له في حزن : نعم كان لابد من إزالتها يا شاعرنا الجميل , وابن مصر الأصيل لأني من وجودها عانيت الويل , والحكاية بدأت منذ ولادة الغدة حيث كانت وليدة طيبة لا بتهش ’ ولا بتنش , وكلما ذهبت إلي طبيب ارتبكت واعتقدت أنها المقصودة من الزيارة , وأصبحت صورة المستشفي ثمثل لها صورة مباحث أمن الدولة للإخوان , ومرت خمس سنوات وهي هادئة , مؤدبة بلا أية متاعب ’ لكني اكتشفت فجأة أنها كبرت وتملعنت , فتدلت وأسقطت أحدي أصابعها في القصبة الهوائية, فرحت أسعل كلما تناولت أي طعام , وسكت غليبة وقلت ماشي , وتدللت بإسقاط ذيلها الغبي في الحلق بجوار لسان المزمار الطيب المؤدب ورسخت بداخله , فازدادت حشرجة صوتي , وصعوده , وهبوطه , ولا يهدأ إلا بسكوتي عن الكلام المباح , ثم تجبرت ونامت بأعراضها في حدقات عيوني التي كانت زاهية خضراء لتتحول إلي باهتة يختلط لونها بالألم والإرهاق , وأيضا صمتت وابتلعت غيظي وألمي بالأمر , وأخيرا تبجحت لتعلن عن وجودها في حياتي ’ واعتلت عرش طموحاتي بشراسة , وحركتني بلا شعور يمينا ويسارا , أنام إن أرادت من المغرب , واستيقظ طوال الليل , وقرار الكتابة حسب مزاجها , والندوات تنفذ بعد وصلة ردح في الصحة وأن تلك الندوات تصيبها بالإرهاق والتوتر , وإمعانا في إذلالي شدت الوثاق علي وجنتي ,حقا لقد أصبحت الحاكم بأمر الله في حياتي كلها , عروسة متحركة , حجر من الشطرنج أصبح فيه كل الأشياء إلا الملك ..وكان علي اتخاذ القرار ونزعها بالقوة وبالأمر , فضحكت , وسخرت , ورنت ضحكتها كنساء محفوظ الغانيات وقالت في خلاعة كان زمان ..لقد أصبحت مثل الإخوان.. الزمان زماني.. والمكان مكاني , إنسي أني أترك ميراثك من الصحة والعافية , والصوت الجميل , والنشاط , والحركة الدائبة ..هل تذكرين أغنية أم كلثوم لسه فاكر.. كان زمان ؟ غنها كما شئت أما أنا ..هافضل أنا , ومرت الأحداث سريعة متلاحقة , وألقيت بالخوف من أعماقي وألقيته في عرض البحر المالح للحيتان تأكله , وجاءت اللحظة الفارقة , لحظة تحدي المصري حينما يفرغ صبره , وحددت الموعد واخترت المكان لتكون ثورتي علي الباطل ومعركتي مع الظلم , والبهتان , وكيف أسمح للمرض أن يغتالني كمبدعة سلمت أمرها لله واليأس , كيف يغتال فكري وحركتي وصوتي ونشاطي الدؤب , فجأة أتحول إلي كائن هادئ يتحرك بصعوبة , وإن قام يقوم ثقيلا بطيئا , سوداء الأشياء من حوله , سعاله المتواصل يمنع اللصوص من دخول منزله , كل أدوات الثورة بداخلي معبأة بزجاجات الملوتوف , حفزني يناير شهر الثورة , الجرائد تزيدني اشتعالا , وائل الإبراشئ بنظرته الحامية , ولميس الحديدي تستنهضني لأقاوم سريعا بلا تباطؤ , الثوار في مدن القناة , الألتراس , قانون الطوارئ ثم الرجوع فيه , وفي الحلم رأيت الإخوان وكيف بالمؤامرة وصلوا إلي الحكم ؟ وكيف أنهم يلتفون حوله كما الإخطبوط , لا زلت داخل كابوسي أعيش الحرب الأطباء ينقضون علي الغدة , يجتثون زوائبها , يغرسون فيها الحقن المتواصل
الثوار يحتفلون بثورة يناير يملأون ميدان التحرير , الأصوات تتعالي ارحل ..ارحل , وأنا أشعر بالراحة لميلادي من جديد , بعد أن لفظت الشيطانة التي عشقتني أنفاسها الأخيرة , وفي الشارع يلفظ النظام أنفاسه الأخيرة مع غضب الشارع , ولهذا كان لابد أن أعيش الحرية في نفس التوقيت 25يناير 2013
0 التعليقات