كشف الزميل محمد الباز اسرار لقاءات المشير طنطاوي بالرئيس المخلوع مبارك تؤكد بانه ترك الحكم غصبا عنه وكل ما يروجه فلوله خاطئة فهي لآخر لحظة كان يريد الحكم لابنه .. حيث أوضح ان الاتصالات التليفونية بدأت بينهما عصر 28 يناير بتكليف من القوات المسلحة بالنزول إلي الشارع.. وانتهت صباح 11 فبراير بكلمة واحدة من مبارك لطنطاوي:«شيلها»
أولها كان مساء 28 يناير.. وأعنفها كان قبل «موقعة الجمل» بساعات
4 لقاءات بدأت بمحاولة إبعاد طنطاوي عن قيادة الجيش.. وانتهت بخلاف معلن قرر مبارك بعده عزل المشير ورئيس الأركان بعد أن تنتهي المظاهرات
لقاء مركز العمليات حضره جمال مبارك.. لكن الرئيس طلب من طنطاوي ألا يظهر في الصور حتي لا يستفز المتظاهرين
لم يكن المشير محمد حسين طنطاوي بعيدا عما جري في مصر أيام الثورة.. كان الرجل إحدي القامات الكبيرة التي اجتمعت وناقشت واعترضت وقررت.. صحيح أنه تفرغ بعد تكليفه بالنزول إلي الشارع مساء 28 يناير لحفظ الأمن والسيطرة علي الأمور، بعد أن انهارت الشرطة تماما، لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون شريكا في أحداث كثيرة.. وتفاصيل دقيقة يمكنه أن يكون شاهدا عليها للتاريخ.. وللوطن.. ولوجه الحقيقة أيضا.
في 22 يناير حضر المشير طنطاوي اجتماعا حضره رئيس الوزراء أحمد نظيف وحبيب العادلي وزير الداخلية، لمناقشة التقارير التي ترصد حركة الاحتجاجات والمظاهرات، وهو الاجتماع الذي قيل إن قرار قطع الاتصالات تم فيه، وهو ما لم يكن صحيحا علي الاطلاق، فقرار قطع الاتصالات لم يفكر فيه أحد إلا بعد أحداث 25 يناير.. فقد بدا أن المظاهرات هذه المرة مختلفة.. وأنها لن تنتهي بسهولة.
بعد هذا الاجتماع لم تجر أي اتصالات بين الرئيس والمشير، فما تم فيه سيرفع به رئيس الوزراء تقريرا وافيا، وعليه فلم تكن هناك حاجة لأن يتحدث مبارك مع طنطاوي ولو حتي تليفونيا.
بعد أحداث 25 يناير ظل حبيب العادلي يعتقد أنه قادر علي السيطرة، وأن الداخلية يمكن أن تنهي المظاهرات في ساعاتها الأولي، ولم يكن علي ضباط الداخلية بعدها إلا أن يعودوا إلي بيوتهم ليتناولوا الغداء مع أولادهم وزوجاتهم.
لكن بعد ساعات قليلة لم يكن هذا هو رأي حبيب العادلي، الذي اتصل من مكتبه بالرئيس مبارك ليخبره بأن الوضع أصبح خارج السيطرة.. وأن قوات الأمن لم تعد قادرة علي التصدي لملايين المتظاهرين الذين خرجوا من كل مكان.. وزحفوا علي الشوارع والميادين.
لم تكن لدي حبيب العادلي أي قدرة علي التفكير.. لاح له تصرف واحد، وهو أن ينزل الجيش، لا ليتعامل مع المتظاهرين فقط، ولكن لإنقاذ جهاز الشرطة الذي تحطم أيضا.. قال للرئيس نصا في اتصاله التليفوني:خيارنا الوحيد هو نزول الجيش.
تردد مبارك في البداية.. وكانت المفاجأة أنه طلب من حبيب العادلي أن يبلغ القرار للمشير طنطاوي بنفسه، وهو ما أربك العادلي، فمبارك هو رئيس الجهاز الأعلي للشرطة وهو في نفس الوقت القائد الأعلي للقوات المسلحة، وهو وحده من له الحق في إبلاغ المشير بالأمر.
حتي هذه اللحظة لم يكن مبارك مدركا خطورة ما يجري، ولم تكن لديه معلومات كاملة عما يحدث في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر.. فلم يتحرك ليتحدث مع المشير، لكنه ترك المهمة لحبيب العادلي، الذي أبلغ طنطاوي بمضمون ما دار بينه وبين مبارك.
أخذ المشير طنطاوي المبادرة.. أجري اتصالا بالرئيس مبارك الذي طلب منه أن ينزل الجيش إلي الشارع فورا.. وأن يحافظ علي الشرعية.. وعلي الفور أيضا طلب المشير طنطاوي من اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية أن ينزل بالقوات إلي الشارع فورا.. وهو ما حدث في تماما الساعة الخامسة مساء 28 يناير، عندما رأي الجيل الذي قرر القيام بالثورة ولأول مرة في حياته الدبابات وهي تجوب الشوارع.
لم يكن هذا الاتصال التليفوني هو الملمح الوحيد لوجود المشير طنطاوي علي خريطة مبارك أيام الثورة.. فقد تكررت اللقاءات وتعددت.. حتي توقفت يوم 1 فبراير وقبل موقعة الجمل بساعات.. حيث تفرغ طنطاوي ومعه رئيس الأركان وبقية رجال المجلس العسكري لمتابعة الأمر علي أرض الواقع بعيدا عن غرف مؤسسة الرئاسة وجوها الخانق والملبد بالغيوم.
لم تكن اللقاءات كثيرة لكنها كانت كافية.. ويمكن أن نرصد منها
اللقاء الأول:مساء الجمعة 28 فبراير
كان لابد أن يتصرف مبارك، أعلن في خطابه قبل منتصف ليل 28 يناير أنه قبل استقالة الحكومة وسيشكل حكومة جديدة.
أخبر مبارك الفريق أحمد شفيق باختياره لتشكيل الوزارة الجديدة.. لكنه بذل محاولة لإبعاد المشير طنطاوي عن الجيش قبل أن يجلس مع شفيق، الذي ذهب لمقابلة الرئيس فوجده مجتمعا بطنطاوي، وهو ما جعله ينتظر خارج غرفة الاجتماع 45 دقيقة كاملة، لا يعرف علي وجه الدقة ما الذي يحدث في الداخل.. ولا ما الذي ينتظره هو شخصيا.
في الاجتماع عرض مبارك علي طنطاوي أن يكون نائبا للرئيس.. لكنه رفض.. فعرض عليه أن يشكل هو الحكومة الجديدة.. فواصل الرفض، فلم يكن من مبارك إلا أن ألقي بما لديه من أوراق.. قال له إنه سيكلف الفريق أحمد شفيق بتشكيل الحكومة، ومعني ذلك أنه سيكون وزيرا في وزارة يرأسها من هو أقل منه رتبة عسكرية.
لم يعبأ المشير بما قاله مبارك.. ولم يظهر له ضيقا مما قاله، فزاد مبارك وقال له: ولو حدث خلاف بينك وبينه فسوف أنحاز له هو.. لكن المشير أصر علي موقفه وعلي رفضه.
لم يكن عرض مبارك علي المشير منصبي النائب ورئيس الوزراء محاولة للإنقاذ، لكنه حتي النفس الأخير كان يحاول أن يمكن ابنه جمال من رقبة مصر
كان مبارك يعرف أن الجيش لن يقف في صفه.. ولن يقمع المتظاهرين.. بسبب مواقفه السابقة الرافضة للتوريث والمتجهة إلي الفساد.. فأراد مبارك أن يحدث خلخلة في تركيبة الجيش، وكان مستعدا في حالة قبول طنطاوي أي من المنصبين أن يعين مكانه رئيس سلاح الحرس الجمهوري، أو يأتي بعسكري خرج من الخدمة - كما فعل قبل ذلك عندما أتي بيوسف صبري أبو طالب في أعقاب إبعاده لأبو غزالة - وبذلك يضمن أن علاقته بقواد الجيش ليست قوية.. فيستطيع أن يسيطر علي الكل.
رفض المشير طنطاوي كل ما عرضه عليه مبارك، لكن مبارك حاول توريطه من ناحية أخري.. فقد أراد أن يعينه في حكومة شفيق وزيرا للدفاع ونائبا لرئيس الوزراء.. علي الأقل ليكسب وده.. لكنه رفض وأجري اتصالا بزكريا عزمي بعد أن عرف ما يخطط له الرئيس، وقال له:اصرفوا نظر عن حكاية نائب رئيس وزراء دي.. وكفاية وزير دفاع.
اللقاء الثاني:صباح الأحد 30 يناير
بعد أن استقر مبارك علي التشكيل الوزاري تفرغ المشير طنطاوي- هو وأعضاء المجلس العسكري- لمتابعة ما يقوم به رجال القوات المسلحة.. كان مقرهم هو "ميم - 10".. وهي غرفة عمليات أديرت منها حروب سابقة.. وتقع تحت جبل المقطم.
كان المشير ورئيس الأركان يتابعان عبر الشاشات وقائع اليوم السادس للثورة، وفجأة جاءهما إخطار عاجل ملخصه أن الرئيس ونائبه عمر سليمان في الطريق إلي مركز العمليات.
بعد دقائق دخل مبارك إلي مركز العمليات، ويبدو أنه كان يخشي من اغتياله أو اعتقاله، لذلك جاء في سيارة مرسيدس مصفحة ضد الرصاص وضد دانات الدبابات والمدرعات.. كما أنه لم يخطر المشير بموعد وصوله إلا قبلها بدقائق ، لكن المفاجأة أن جمال مبارك كان في صحبة أبيه.
كان مبارك يدرك أن ظهور جمال في الصورة بأي شكل من الأشكال يمكن أن يكون مستفزا للجماهير الثائرة، لذلك طلب من المشير أن يصدر تعليماته بعدم إظهار صورة جمال في هذا اللقاء الذي سيبثه التليفزيون، وألا يظهر في الصورة الصحفية التي سترسل للصحف.
وبالفعل كانت المنصة التي ظهرت إعلاميا تضم من اليسار كلا من سامي عنان وإلي جواره عمر سليمان ثم الرئيس مبارك ثم المشير طنطاوي.. وخلفه بثلاثة صفوف كان يجلس جمال مبارك إلي جوار القادة العسكريين.
صورة واحدة فقط هي التي ظهر فيها المشير طنطاوي.. أما الصورة التليفزيونية فلم تلتفت إليه، واعتقد البعض أن الرئيس يريد أن يحجبه ليصور للعالم أنه لا يزال في الصورة.. لكن العلة كانت في جمال الذي كان مزعجا للجميع حتي اللحظة الأخيرة.
ذهاب مبارك إلي غرفة العمليات لم يكن قراره.. ولم تكن فكرته.. وطبقا للتقارير الإسرائيلية عما حدث أيام الثورة، فقد كانت هذه فكرة أصدقاء مبارك في الموساد حتي يرسل للعالم برسالة مفادها أنه لا يزال قويا وممسكا بالأمور.. وأن الجيش معه.
لم يستمر هذا اللقاء إلا عشر دقائق فقط.. بدا فيها مبارك مرتبكا.. طلب إطلاعه علي الموقف الميداني للقوات المسلحة في حماية المنشآت وتواجدها في الميادين والمناطق الرئيسية، وبالفعل أعطاه طنطاوي فكرة مختصرة عن الأوضاع.
لكن قبل أن ينصرف مبارك من مركز العمليات طلب من قائد السلاح الجوي تنفيذ الخطة "إرادة".. وهي خطة تقوم علي استخدام سلاح الطيران في تهديد المتظاهرين.. لكن المشير اعترض علي الخطة خوفا من فداحة الخسائر.. وطلب من الرئيس أن ينتظر قليلا ليعرف ما الذي يمكن أن تسفر عنه الأحداث.
وتقريبا كان هذا هو أول خلاف بين الرئيس والمشير.. فبعدها سار كل منهما في طريق، وإن لم يمنعهما الخلاف من اللقاء أكثر من مرة.. بل تبادل بعض المكالمات التليفونية.
اللقاء الثالث:صباح الاثنين 31 يناير
كان لابد أن يجتمع مبارك مع رجال حكومته الجديدة التي شكلها -علي عينه -الفريق أحمد شفيق.. وهي الحكومة التي خرج منها 15 وزيرا من بينهم رجال الأعمال.. وشلة جمال مبارك، لكنها لم تلق قبولا في الشارع.
عندما عرض مبارك علي شفيق أن يقوم بتشكيل الوزارة قال له استبعد من تشاء، لكن لا تستبعد اثنين فقط هما أحمد أبو الغيط وزير الخارجية والثاني ممدوح مرعي وزير العدل.
قبل أن يصل أحمد شفيق إلي بيته عائداً من لقاء مبارك.. وجد الرئيس يحدثه في أمر أنس الفقي.. قال له خذه معك في التشكيل الجديد، ممكن تخليه وزير شباب كما كان.. لم تمر سوي ساعات قليلة حتي كان قرار الرئيس أن يبقي أنس الفقي وزيرا للإعلام، ويبدو أن هذا كان بسبب ضغوط جمال مبارك الذي كان يري في أنس رجله المخلص الذي يمكن من خلاله أن يسيطر علي منظومة الإعلام ويوجهها إلي حيث يشاء.
حضر المشير طنطاوي هذا الاجتماع وكان صامتا طول الوقت، ويبدو أنه خرج منه حازما أمره فيما سوف يفعله، كان عمر سليمان موجودا في الاجتماع بصفته الجديدة كنائب لرئيس الجمهورية، في الاجتماع توصل طنطاوي إلي أن مبارك يعيش في غيبوبة ولا يعرف ماذا يدور خارج القاعة التي يعقد فيها اجتماعه
بعد الاجتماع مباشرة قال لبعض مساعديه أن جمال وشلة المنتفعين لا ينقلون الصورة بشكلها الحقيقي لرئيس الدولة.. وهناك إصرار علي تصوير ما يجري علي أنه أعمال شغب مدفوعة من قوي خارجية وداخلية لاتريد الاستقرار لمصر.. وهو ما سيدفع بمبارك إلي التمسك بعناده ورفض الاستجابة لأي مطلب من مطالب المصريين.
0 التعليقات