ا
الأغنية الشعبية هي تلك الأغنية التي ترتبط بمكان وبيئة وجماعة ما من البشر، ومثال ذلك أهل الريف وأهل الصحراء والنوبة وهكذا. ومن أمثلة تلك الأغاني أغاني دورة الحياة (الميلاد ومراحله كالعقيقة والختان الخ – الزواج ومراحله – الموت). وكذلك أغاني السمر والمناسبات كالأعياد وأغاني العمل مثل أغاني الصيد والحصاد. تلك الأنواع من الأغاني نجدها جماعية الإبداع سواء الكلمات أو اللحن أو الأداء، بالطبيعة كان لها مبدع أصلي ولكن سعة انتشارها كانت أكبر من مبدعها نفسه فظلت الأغنية وذهب المؤلف طي النسيان.
والأغنية الشعبية تتناقل شفاهة من جيل إلى آخر، وتتأثر بالبيئة التي تخرج منها فلو أخذنا مثالاً أغاني الزواج لوجدنا أن طبيعة الأغنية سواء الكلمات أو اللحن تختلف باختلاف البيئة التي تخرج منها.
فمثلاً نجد أغنية الزواج النوبية مختلفة عن الصحراوية، وحتى في الصحراء أغنية الصحراء الشرقية تختلف عن الغربية، ولو نظرنا إلى هذا التنوع وطبقناه على وطننا العربي لعلمنا أي ثراء فني نمتلكه ومع ذلك نتركه عرضة الإهمال، أما الأغاني المسماة مجازا بالشعبية فهي معروفة المبدع سواء المؤلف أو الملحن أو المغني، وتعبر عنهم وعن فكرهم الخاص ولا ننكر أنها تكون مستوحاة من البيئة، ولكن في النهاية هي تبنى على فكر مبدعيها.
والأغنية الشعبية تتناقل شفاهة كما سبق أن ذكرنا؛ لذلك تؤثر فيها عدة عوامل (السمع/ النسيان/عدم فهم الكلمات). وتؤدي تلك العوامل إلى إحلال كلمات بدل كلمات وكذلك إدخال بعض الكلمات الدالة على المستجدات التي طرأت على البيئة الشعبية، على سبيل المثال لا الحصر إدخال كلمات مثل الراديو، أو إدخال أسماء بعض المشاهير مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وهو ما لم يكن موجودا في الماضي.
أهم ما يميز الأغنية الشعبية أنها تحافظ على العادات والتقاليد والمعتقدات الخاصة بالجماعة الشعبية وذلك لتناقلها شفاهة من جيل إلى آخر حاملة معها هذا الكم الهائل من الموروث الثقافي الخاص بالجماعة الشعبية عبر الزمن. لأغنية الشعبية ارتباط مادي وعقلي وروحي بالمجتمع وهي إبداع تلقائي صادر عن فكر ووجدان مشترك بين أبناء المجتمع ويمارسها المجتمع في إطار من عاداته وتقاليده ومناسباته الاحتفالية المتنوعة
من هذا المنطلق خرج كتاب الأستاذ الدكتور محمد غنيم والذي حمل عنوان ( الأغنية الشغبية في الثقافة المصرية ) في جزئين ونظم له اتحاد كتاب الدقهلية ودمياط حفل توقيع حضره الكاتب اللبناني فرحان صالح أمين حلقة الحوار ببيروت والناقد الأستاذ الدكتور علي الغريب رئيس قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة المنصورة والشاعرة فاطمة الزهراء فلا رئيس الفرع ولفيف من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وعدد كبير من الشعراء والأدباء , في البداية افتتح الكاتب اللبناني فرحان صالح الحفل بكلمة رائعة عن العلاقات والعادات والتقاليد التي تربط لبنان ومصر , وأنها علاقات قوية قامت علي الأخوة
.وبالعودة إلى العلاقات اللبنانية - المصري ة فإنها كانت وما زالت ترتكز على التعاون والاحترام والأخوة التي تظهر جلية في المشاعر التي يكنها اللبناني الشقيق المقيم في بلده الثاني مصر وفاء منه لبلد عامله معاملة المواطن المصري دون تفرقة أو تمييز، إنطلاقا من سياسة دولة مصر المتضامنة مع لبنان وشعبه، والداعمة له في كافة المجالات، خاصة خلال الأزمات والأوقات العصيبة، في سبيل تحقيق الوفاق والتضامن بين جميع أطياف المجتمع اللبناني، وتعزيز لغة الحوار التي هي وحدها القادرة على تحقيق الاستقرار والأمان وإعادة الحياة الطبيعية إلى ربوع لبنان الشقيق.
ثم بدأت النسخ تتوزع علي الحضور ومنها قرأت الشاعرة فاطمة الزهراء العديد من الأغنيات التي حملها الكتاب
تقول أعنية العرس :
حيوا أبوها وشنبه
اللي ماحدش غلبه
سلم أخوها سلمه
جاب عزالها وتممه
سلم أخوها يا جدعان
سلم عزالها بالتمام
موضوعات كثيرة ومتعددة وأغنيات جمعها الباحث محمد غنيم والباحثة سوزان السعيد
وإذا أردنا أن نعود للتراث القديم تغنينا بتلك الأغاني التي تفوح منها رائحة الشعب الطيب حين يعبر عن حلمه فيغني , ويعبر أفراحه , ورجاله والعرس والحزن كلها بالأغانيحتي المشاجرات الزوجية أيضا غني لها :
ليه بتضربني وأنا اسمي عزيزة
قايدة لك الشمع علي الترابيزة
يا سارحين الغيط قولوا لحمايا ابنك
ضرب ست البنات فوزية
تضربني ليه يا وله وانا اسمي الفله
وتسمع الجيران بكسر القلة
يا رايحين البيت قولوا لهم
ابنك ضرب ست البنات روحية
سخرية وحكمة وطرفة ونصيحة جمعها الشعب في أغاني لتكون له تراثا
تري هل استطاع د غنيم أن يتحاور من خلال الأغنيات ففاضت الليلة بالبشر والأمل في مستقبل أفضل , كما أكد د. علي الغريب بأن العولمة لن تكسر هوية الشعب العربي , فلازالت لغتنا العربية هي لغة القومية العربية ونحن في رحاب كلية الآداب , تلك الكلية التي نتعلم فيها كيف نتمسك بلغتنا العربية
التراث.. الذاكرة والبوّابة على العالم
لا شكّ أن التراث يمثّل الذّاكرة الحيّة للفرد وللمجتمع، ويمثّل بالتالي هويّةً يتعرّف بها الناس على شعْبٍ من الشعوب؛ كما أن التراث بقيمه الثقافية،والاجتماعية يكون مصدرا تربويا، وعلميا، وفنيا، وثقافيا، واجتماعيا..ذلكم أن تراكم الخبرات يُكوّن الحضارة، وتراكم المعلومات يُكوّن الذاكرة، وهذه الذاكرة بدورها وكما تقول: الباحثة تمبل كريستين في كتابها (مدخل إلى دراسة السيكولوجيا والسلوك):
« ... هي التي تمكّننا من فهْم العالم، بأن تربط بين خبرتنا الراهنة، ومعارفنا السابقة عن العالم وكيف يعمل. » ولهذه الذاكرة كما للتراث الثقافي الذي ننادي بالحفاظ عليه علاقةٌ طردية مع الإبداع لدى الأفراد والمجتمعات. حيث أن لكل شعب موروثاته الخاصة به، والتي توارثها شفهيا، أو عمليا، أوعن طريق المحاكاة .. ليكون بمثابة فنون نتجت عن التفاعل ما بين الأفراد والجماعة، والبيئة المحيطة خلال الأزمان الماضية، ومع مرور الزمن تحولت إلى إنتاجٍ جماعي يختزن خبرات الأفراد والجماعات،وبقدْر ما هو مخْيالٌ للجماعة فإنه جدارٌ متينٌ لحفْظ هويّتها، ومحرّكٌ لها في الاستمرارية والوجود.
إن فقدان التراث الثقافي يعني فقدان الذاكرة..إن الذاكرة هي التي تساعد على اتخاذ القرا، فالفرد الفاقد ذاكرته لا يستطيع أن يستدلّ على باب بيته، فكيف والحال هكذا أن يصنع مستقبله، ويطوّر ذاته، ومثلما ينطبق هذا على الفرد ينطبق على الشعوب .
تلك ما أكده كتاب الدكتور محمد غنيم ( الأغنية الشعبية والثقافة المصرية ) ودعوني أغني
ابني بيتكلم عربي
بنتي بتتكلم عربي
بالذمة يا شلبي
مش عيب تقو..هاللو
لذا ستظل
علاقة الإنسان العربي بتراثه علاقة عضوية حيث أن هويته القومية برمتها تتغذى من التراث، لارتباطه في وعيه بأبعاد حضارية وتاريخية ودينية وسياسية على حد سواء. فتعلقه بما يختزنه ماضيه من إنجازات عملية وفلسفية وأدبية أشد من تعلق أي إنسان آخر بتراثه شرقاً وغرباً.
إن الإنسان العربي ينتمي انتماء كليًّا إلى تراثه، ويتماهى فيه معنويًّا دون تحفّظٍ، حيث يشعر بأن تعلّقه به هو امتدادٌ لتعلّقه بتصوّره للدنيا والكون،وحتّى لِــما بعد الحياة، فيتخذ التراث بُعْدا روحانيا ونفسيا ممّا يضعه خارج دائرة التفكير، وداخل دائرة التقليد، فالمساس بالتراث غير وارد عنده،وكذلك مساءلته..إذ هذا التراث قيمة عليا عنده يتعامل معها بشكل مثالي
0 التعليقات