مطاردة درامية
سيمون عيلوطي
لم تعد فوضى النشر في صحفنا ومواقعنا الألكترونية تقتصر على الأدب والشعر فحسب، بل أصبحنا نرى أن فيروس هذه الفوضى انتقل إلى المقالات الصحفية وإلى التقارير والأخبار، فهي بالإضافة إلى كونها متداعية من حيث المبنى، تعاني كذلك من غياب الرؤية الصحفية عند عدد لا بأس به من كتَّابها، ولاعتقادهم أنها تضاهي من حيث أسلوب الطرح، وطريقة البناء، وسلاسة اللغة، كتابات كبار الكتَّاب، أو تفوقها، أخذوا يوزَّعونها على مختلف الصحف والمواقع، والذي يدعو إلى التعجُّب حَقَّاً، هو أنها في كثير من الأحيان، تقابل بتعليقات بعض القراء الذين تأتي تعليقاتهم أيضا، على جانب كبير من التهالك والسطحية، هذا إذا كان لها علاقة أصلاً بالمقالات موضوع التعليق.
إن الصحف والمواقع حين تقوم بنشر "هكذا مقالات" إنما تعمِّم حالة الفوضى، ونشرما لا يفيد القارئ في شئ، ودون الأخذ بالإعتبار أن هذه "المقالات" تمَّ نُشرها هنا وهناك، ولا داعي لتكرارها أكثر، ودون العمل أيضاً، على تهذيبها من حيث سلامة بنائها، وتعثر تسلسلها غير المتجانس، ولغتها الآتية بتراكيب أقرب من الفارسية أو التركية منها إلى العربية، بذريعة أن صاحب المقال هو الذي يتحمَّل مسؤولية النشر، وكأن المحرر أصبحت وظيفته لا تتعدَّى أكثر من عملية النسخ واللصق، يقوم بها وهو مرتاح الضمير.
هناك تداعيات كثيرة على صلة مباشرة بما نحن بصدده، حيث نجد أن خبرا هامشيَّاً لا يهم أحدأ، يرفق بعشرات الصور التي حين ترهقة، إنما ترهق القارئ أكثر، وفي حديث لي مع أحد المراسلين حول هذه الظاهرة قال: الصورة تعبِّر عن مئة كلمة، دون أن يميِّز بين الخبر الذي تحتاجة الصورة لتعبِّر من خلالة عن أكثر من الكلمة، وبين الخبر غير الصالح للنشر مثل الكثير من أخباره، وأنا حين لا أتردَّد بإهمال مثل هذه الأخبار، وبعدم نشرها في "الموقد الثقافي"، أرى أن العديد من الصحف والمواقع، لا تكتفي بنشرها على علاتها فقط، بل توقِّعها باسمها أيضاً، والأغرب من هذا كله هو أنك عندما ترسل لبعض هذه الصحف والمواقع بخبر ما، طالباَ عند النشر ذكر المصدر، يتجاهلون طلبك، فيتم نشرة باسمهم، أو باسم مراسلهم الخاص، وفي أحيان كثيرة يصبح المحاضر الجامعي في أخبارهم مطربأ أو عازفاً، وهناك أيضاَ محاولات لتغييب مشاركين مركزيين في مختلف الندوات عن مثل هذه الأخبار.
ما جاء يقودنا إلى القول: إن غياب المحررين المتخصصين في معظم المجالات الثقافية والفنية يزيد الطين بلَّة.. فنجد أنفسنا بالتالي أمام فراغ لا مثيل له من حيث غياب الكاتب الجيد، والمحرر المهني، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: هل باتت صحافتنا ومواقعنا ظاهرة نفعيَّة تجارية لا يعنيها تقديم ما تعنى به بالشكل والأسلوب المهني، بقدر ما يعنيها الجانب التجاري الرِّبحي؟.. أين المحرر أوالمراسل المتخصص في مجالات الثقافة والفنون على أنواعها؟.. ثم أين المحلل السياسي المهني والموضوعي الذي يبلور مع غيره من الكتَّاب رؤية سياسية واجتماعية تساهم في تعزيز مكانة الصحافة، وتحظى باحترام القراء؟
من يطَّلع على الصحف والمواقع التي تصدر من حولنا مثل: "الحياة اللندنية "، أو "الأخبار البيروتية"، أو مثل موقعي "اليوم السابع"، "وجماليا"، يجد أن العمل الصحفي هناك يدور وكأنه "سيمفونية"، كل مقطع من مقاطعها يكمِّل المقطع الذي سبقه، ويمهد للمقطع الذي يليه، وأن التوزيع الذي يسير في هذه الصحف والمواقع بناءً على تخصص المحررين في كافة المواضيع الثقافية والفنية والسياسية، يُعطي إلى "الدراما" الصحفية الجارية هناك الكثير من القيمة التي تعود على هذه الصحف والمواقع نفسها، وعلى محرريها وقرائها بالفائدة المطلوبة، والإدعاء بأن هذه الصحف والمواقع تتمتع بدعم سخي، لا مكان له بدليل أن بعض ما ذكرت يعمل بشكل مستقل تماماً، مما يجعل هذه الذريعة القائمة عندنا، غيرمقنعة، ولا تجابه الأسباب التي جعلت صحافتنا ومواقعنا تصل إلى هذا الحد من التداعي الذي بدون تداركه ومعالجته بالشكل الصحيح، لا يمكن لإعلامنا أن يبلغ درجة النجاح المرجوَّة منه.
0 التعليقات